عبد الهادي التازي: هناك حاجة لفيلم يليق برحلة ابن بطوطة العظيمة

عبد الهادي التازي

عبد الهادي التازي: هناك حاجة لفيلم يليق برحلة ابن بطوطة العظيمة

اعتبر المؤرخ والدبلوماسي المغربي الدكتور عبد الهادي التازي أن الرحالة المغربي ابن بطوطة لم يكن مجرد رحالة يجوب الأرض ولكنه كان بمثابة سفير متنقل لبلاده، يعرف بها ويحمل إليها ما جد من تطورات في الجهات الأخري وخاصة في دولة المماليك بمصر التي كانت حليــــفا قويا للمملكة المغربية، مشيرا إلي التشابه القوي بين التاريخ القـــديم لمصر وبلاد المغرب.

وقال التازي في محاضرة القاها بالرباط حول المركز الدولي لمصر من خلال رحلة ابن بطوطة نظمها المركز الثقافي المصري بمناسبة مرور 700 سنة علي ميلاد الرحالة المغربي، إن ابن بطوطة استعرض مظاهر الدولة الكبري في مصر، والتي كانت تتجلي في مؤسساتها الحضارية والعمرانية، وفي تنظيماتها السياسية المحكمة، وفي توفيرها الأمن الوطني والغذائي والثقافي أيضا علي مدي مساحة واسعة عريضة. وأضاف أن هذه المظاهر كانت تتجلي أيضا في الجانب السياسي الذي كان يظهر بصفة واضحة في البعثات الديبلوماسية التي كانت ترسلها مصر إلي الجهات الأخري أو تتقبلها من الجهات النائية حيث ازدهر ما أسماه بـ الأدب الإداري للدولة .
وذكر التازي بالرسائل التي كانت مصر تتبادلها مع الأمم الأخري خاصة مع المغرب مما توجد نصوصه في المصادر الأساسية وأشار إليها ابن بطوطة في معرض حديثه عن مقاومة الدولة المصرية للتحديات التي تهددها من قبل التتر علي نحو ما كان المغرب يقوم به من كفاح ضد حركات التوسع التي ظهرت ضده من لدن مملكة قشتالة.
وتحدث الباحث عن وسائل الاتصال السريع التي كانت متوفرة في مصر انطلاقا من الحمام الزاجل الذي كان يحتاج إليه في بعض الظروف الصعبة وانتهاء بالبريد الذي يعتمد علي السير، مذكرا بأهمية سرعة النبأ في بناء الدول عبر التاريخ باعتبار أن الدولة هي الاتصال والاتصال هو الدولة مشيرا إلي رواق المغاربة بالأزهر الشريف الذي اعتبره مركزا ثقافيا للمغرب في مصر.
وأشار التازي إلي أن ابن بطوطة لم يقتصر في حديثه حول مصر، علي ما كان يراه هو بهذا البلد، ولكن علي أصداء مصر في الجهات التي كان يزورها مقدما ملك مصر علي أنه أحد الأقطاب السبعة الذين كانوا يحكمون عالم الأمس إلي جانب ملوك المغرب والعراق والهند والصين وخوارزم وتركستان.
ودعا إلي وجوب الاستفادة من رحلة ابن بطوطة لكتابة تاريخ العرب، مبرزا حاجة الرحلة الماسة إلي فيلم علي مستوي رفيع يليق بعظمة الرحلة وصاحبها الذي أصبح تراثا عالميا يحظي بالتقدير والإكبار من الجميع مشيرا إلي مصداقية ابن بطوطة فيما كان يرويه إذ أن الحقيقة تكشف يوما عن يوم أنه كان قمة فيما يسجله من أحداث وخاصة ما يتعلق بالتاريخ الدولي لدار الإسلام في العصر الوسيط.
وحــــول مصر القاهرة في عيون الرحالين المغاربة أكد الباحث المغربي محمد بنشريفة أن عددا كبيرا من الرحالين المغاربة من أمثال ابن رشيد السبتي والقاسم السبتي والبلوي والناصري والعياشي اهتموا أساسا لدي حلولهم بأرض مصر بلقاء العلماء وانبهروا بفخامة القاهرة وكثرة ساكنيها وتعدد عجائبها.
وأضاف بنشريفة أن هؤلاء الرحالين توقفوا أيضا عند المارستانات، والقرافات (مدينة الموتي كما أسماها المستشرق ماسينيون) والتي اعتبرها الرحالة ابن جبير إحدي عجائب الدنيا كما توقفوا عند الزوايا /الخوانق/ التي يأوي إليها الحجيج وأبناء السبيل وطلاب العلم والتي يهتم بها الأمراء والأعيان بالحرص علي إطعام وكسوة وراحة مريدي كل طائفة من الطوائف التي تشكلها.
وأشار إلي حديث الرحالة المغاربة عن أماكن التنزه في الأعياد لدي المصريين ومضغ قصب السكر والحلويات وغيرها مما لم يكن مألوفا في بلادهم منتقدين علي الخصوص نظام الجمارك الذي كان متبعا بالإسكندرية والذي كان يعرضهم للتفتيش (حالة ابن جبير مثلا).
وتحدث بن شريفة عن وصف الرحالة المغربي القديم أبو حامد لمسلات عين شمس التي تعود للحقبة الفرعونية من تاريخ مصر والتي تحظي حاليا إلي جانب أهرام الجيزة وسقارة ومنارة الاسكندرية باهتمام أوفر مما عداها.
كما تحدث عن وصف الحسن الوزان الفاسي الدقيق في كتابه (وصف مصر) للمكارين الذين يعيشون من كراء الحمير المدربة علي أن تمشي هونا والمخصصة لركوب الأعيان، مشيرا إلي أن وصف الرحالة ابن سعيد المغربي (القرن السابع الهجري) لمشاهداته بمصر تراوح بين الإعجاب والنقد.
واعتبر الباحث المصري حسين نصار أن الرحلة كانت أمرا طبيعيا عند العرب الذين عرفوا الرحلات البرية /الجزيرة العربية/ والبحرية /البحرين وعمان ../ وكذا
الرحلات الدينية والاقتصادية والعلميــــة والإدارية ولعــــوامل شخصية أو حتي خيالية مما جعــل الأدب العربي من أغني الآداب بفن الرحلة. كما اعتبر الباحث أن من أهم أسباب تيسير الرحلات الشعور بالأخوة وحث الإسلام علي السفر للحج وطلب الرزق وتخفيفه الأعباء الدينية علي المسافر ويسر الزواج خلال السفر وانتشار اللغة العربية.
وأكد علي ضبط ابن بطوطة لأسماء الأماكن والأعلام من أمراء وأعيان وعمائر المدن ومساحتها وموقعها وإنتاجها وطيورها وحيواناتها ومقابرها ومآثرها، مشيرا إلي شك الباحثين والمحققين حاليا في ثناء /رحلة ابن بطوطة/ علي كل مدينة كبيرة يصفها إذ اعتبروا أنها قد تكون من وضع ابن الجزي الذي كتب ما أملاه عليه الرحالة المغربي كما أشار إلي أن ابن بطوطة ربما لم يشاهد الأهرام بتاتا وأن وصفها في /الرحلة/ قد يكون من وضع ابن الجزي لأنه وصف غير دقيق .