ثورة في منف

ثورة في منف

لإصلاح مسرح الثقافة الجماهيرية بمصر  

د. كمال يونس

[email protected]

حوار مع الناقد المسرحي : أحمد عبد الرازق أبو العلا

 المشرف علي إدارة النصوص بمسرح الثقافة الجماهيرية

حرب ضروس تدور رحاها فى قاعة  منف حيث مقر إدارة مسرح الثقافة الجماهيرية بين هيئة المنتفعين من مسرح الثقافة الجماهيرية ، وقد كانوا يمارسون احتكارا لنشاطها المسرحى تأليفا للنصوص ونقدا وتحكيما وإخراجا وأشعارا، وبين زعيم جبهة الإصلاح الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا  المشرف على إدارة النصوص بمسرح الثقافة الجماهيرية بدعم من رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة د0أحمد مجاهد ،مما استدعى إجراء هذا الحوار مع الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا لتوضيح حقائق هذا الصراع كاملة ، فى محاولة لكشف مواطن الخلل التى استشعرناها كمسرحيين فى أداء إدارة المسرح بهيئة قصور الثقافة0

* ما أسباب ومكامن الخلل فى مسرح الثقافة الجماهيرية؟

  - مشكلة مسرح الثقافة الجماهيرية أن المخرجين يعملون بشكل عشوائي تماما ، فمعظمهم لايعرفون كيف يختارون النص المسرحي الملائم لإمكانيات الفرق ، والمكان ، وتلك المسألة كشفتها تلك الضوابط التي وضعتها أدارة المسرح ، حين أرادت تحديد آليات تجنح إلي التنظيم ، وتبتعد عن العشوائية التي سادت عمل الإدارة لسنوات طويلة جدا ، تلك الآليات استقبلها الموهوبون بصدر رحب ، أما غير الموهوبين فقد استقبلوها باتهامات ، من قبيل : أن الإدارة تعوقهم عن العمل ، أو تضع أمامهم العراقيل لتقليل الإنتاج المسرحي ، بل وصل الأمر إلي أن يقول بعضهم أن جنرالات المسرح يرفعون الشومة  حين يتعاملون مع المخرجين!!! والحقيقة أن المستفيدين وأصحاب المصالح ، لايرغبون في الإصلاح ، لأنهم يدارون خيبتهم – وشواهد تلك الخيبة كثيرة ، ولا مجال لذكرها - الآن- وتلك ألانهامات التي لاأساس لها من الصحة ، فنحن نعمل في خدمة الموهوبين الذين يستطيعون انتشال مسرح الثقافة الجماهيرية من كبوته ، ولن يتحقق هذا إلا من خلال العمل بضوابط ، وآليات جديدة تساعد علي الإصلاح . ومطلوب من الجميع ، قدرا من الصبر ، وقدرا من التحمل ، وقدرا من المرونة ، وقدرا من التحلي بفضيلة الجسارة ، وقدرا من التعاون مع الإدارة ، لكي يتحقق الإصلاح المنشود0

* لفترة طويلة كانت الثقافة الجماهيرية مرتعا خصبا للأقلام المبتزة والضاغطة مما أدى إلى عروض باهتة انصرف عنها الجمهور ، كيف ستواجهون تلك النصوص الضاغطة، وهل سيفسح المجال للمؤلفين الجادى الموهبة ممن لا سند لهم إلا موهبتهم وإبداعاتهم؟  

- لا مكان للنصوص الضعيفة ، والمتهالكة ، والتي لاتخاطب الناس ولا تعبر عنهم ، بقدر ماعملت علي تطفيش الناس من المسرح ، وكانت الأقاليم – في وقت من الأوقات – تقدم عروضا قادرة علي اجتذاب الناس ، ولكن حين انصرف المسرح وابتعد عن الناس أنصرف الناس عنه وابتعدوا ، تلك النصوص الضعيفة ، المتهالكة ، ظلت تعرض لسنوات طويلة ، وأصبحت نصوصا مكررة ،وكأن النبع جف ، هناك نصوص قدمت أكثر من ثلاثين مرة علي مسارح الثقافة الجماهيرية ، بل هناك نصوص كانت تقدم في أكثر من موقع في السنة الواحدة ، وهناك نصوص مسرحية ، عرضت وقدمت لكتاب جدد لم تعرض علي لجان فحص ، وليس لها تقارير فنية ، وبعضها قرأه الموظفون في الإدارة ، فقاموا بمجاملة زملائهم ، وهكذا ، وحين تقوم بكشف ألاعيبهم وحيلهم ، وبالمستندات ، ينعتونك باتهامات ، لايصدقها إلا كل صاحب مصلحة ، وهذا الكلام ، ليس جديدا ، فلقد قمت بكتابة عشرات المقالات عن هذا المسرح - خلال السنوات الماضية  ونشرتها- وأوضحت فيها مواطن الخلل ، ولكن لم ينتبه أحد ، لأن أصحاب المصالح كان في أيديهم القرار!! ، والآن حين واتتنا الفرصة للإصلاح ، تواجهنا حملات ليست شريفة أبدا ، يتزعمها ، عناصر بليدة منها- للأسف الشديد- من يعملون في إدارة المسرح ، هؤلاء يقومون بتحريض بعض الضعفاء علي الإدارة ، وجميعهم يعمل في الظلام ، ولا يستطيع أن يعمل في النور ، أقول لك أنظر إلي نصوص الثقافة الجماهيرية ، لتجد أن نصوصا بعينها ظلت تقدم في مسارح الثقافة الجماهيرية لسنوات طويلة ، بنظام  الدائرة التي لاتتوقف ، فكل خمس سنوات وهي مدة التعاقد مع المؤلف تجد تلك النصوص يتم إنتاجها مرة ثانية ، ليحصل صاحبها علي أجر جديد ، في حين أن تقارير لجان المتابعة والتحكيم ، تتحدث عن ضعفها ، وتتحدث عن عدم قدرتها للوصول إلي الناس ، ومع ذلك ظلت تقدم عشرات المرات ، أليس هذا خلل ينبغي الالتفات إليه ، لقد قمنا بوضع ضابط مؤداه أعادة قراءة النصوص المسرحية التي سبق تقديمها أكثر من مرة ، وانتهت مدة تعاقدها ، وذلك لأننا لا يمكن أن نشتري سلعة بائرة ،لأسباب لا علاقة لها بحسن النية !! في الوقت الذي نغفل فيه أعمالا جيدة ، وقادرة علي اجتذاب الجماهير ، لأن أصحابها لا يسعون إلي المهاترات ، أو الابتزاز ، ولا يجلسون تحت أشجار قاعة منف ، تلك الأشجار التي شهدت صفقات لاعلاقة لها بالفن ، صفقات أفصحت عن مصالح مشتركة ، وعكست أفعالا وأعمالا ، نعاني منها حتى اليوم ، ونتائج الإصلاح ، لن تظهر بسرعة ، كما قد يتخيل البعض ، لكنها تحتاج إلي بعض الوقت ، بسبب الخسائر الكثيرة ، والإصابات البالغة التي أصابت مسرحنا . * ما السر فى انصراف الجمهور عن مسرح الثقافة الجماهيرية؟

- ظل مسرح الثقافة الجماهيرية يعمل لسنوات طويلة ، بطريقة نمطية تماما ، للدرجة التي تستطيع بها أن تقول وأنت تشاهد بعض العروض ، هذا العرض يشبه عروض مسرح الثقافة الجماهيرية ، وانعكست تلك النمطية علي الأداء ، وعلي طريقة التفسير والإخراج ، فضلا عن النص المسرحي النمطي – أيضا – النص الذي لابد أن يكون عن الفلاحين أو الصعايدة ، أو التراث ، تلك النمطية ، جعلت الجمهور يطفش من المسرح ، وكأن مسرح صلاح عبد الصبور – مثلا – ليس قادرا علي اجتذاب الجماهير ، يغيب مسرح صلاح عبد الصبور ، ويظهر مسرح أبو رجل مسلوخة ، بديلا عنه!! ، وذلك لأن أبو رجل مسلوخة ، يستطيع الجلوس في قاعة منف ،واضعا رجلا علي رجل ، يخاطب مريديه بأسلوب المسئول ، الذي بيده مفتاح كل الصناديق ، فيصدق الضعفاء ، أنه قادر فيقدمون له الاحترام وزيادة ، فيصدق نفسه ، ويبالغ في عملية التصديق ، وبعدها يبدأ في ممارسة لعبة الابتزاز!! ومن خلال تبادل المصالح المريضة ، تهدر قيمة الفن ، وتهدر قيمة الفنان .. وهذا هو السبب الذي أدي بالإنتاج لسقوط في هوة سحيقة ، دفعتنا إلي سماع عبارات مثل: نحتاية - سبوبة – قروش – رزق العيال !!  وكلها عبارات ، سوقية لاعلاقة لها بالفن . هذا المسرح النمطي ليس له موقف فكري واضح ، وليس له وجود حقيقي مؤثر ، وإلا  قل لي لماذا هرب الناس من مسرح الثقافة الجماهيرية ، ذلك الذي كان قادرا – في يوم من الأيام – علي جذب الجماهير ، التي لم يستطع مسرح الدولة أن يجتذبها .؟؟ 

* ماهى الآليات المقترحة للتصدى للظواهر السلبية وكسر الاحتكار لعروض الثقافة الجماهيرية؟ 

- هناك آليات مختلفة نقوم بتفعيلها الآن من أجل التصدي لفكرة الاحتكار منها : الخروج من نمطية الإنتاج المسرحي ، بمعني أنه ليس من الضروري أن يكون في العرض غناء ، أو رقصات ، إلا إذا كانت هناك ضرورة فنية لذلك ، وأيضا يمكن تعويم شرائح الإنتاج لصالح العرض المسرحي المتميز ، بهدف تحريكه في أكثر من موقع ، وهذا الأجراء تحدده لجان المتابعة التي سيجري اختيارها بعناية شديدة، والتي ستعمل طبقا لضوابط محددة ، وكذلك امتلاك المخرج لحرية القيام بتشكيل فريق العمل تبعا لاحتياجاته ، في ضوء المشروع الذي يقوم بإخراجه، ويتم اختيار النص المسرحي بعد مقابلة بين المخرج والفرقة ، موافقة الإدارة عليه ، والنص الجديد الذي يقدم لأول مرة سيحصل علي خمس درجات تضاف لدرجة المخرج عند تقييمه ،وستقوم الإدارة بتكوين لجنة متابعة تقوم بزيارة الموقع أثناء البروفات الأولي ، وتقرر صرف شيك الإنتاج، عند التأكد من جدية العملية الفنية ، ثم ستتابع هذه اللجنة كافة مراحل الإنتاج ، وعند حدوث معوقات من طرف الموقع سيتم مواجهتها فورا ، و لاضرورة من هيكلة الفرق ، الذي تمت في الماضي ، ولكن هذه الهيكلة ستصبح مجرد كشف استرشادي للمخرج ، وليس ملزما له ، لو أراد تغيير عناصر العمل  بعيدا عن تلك الهيكلة ، وأيضا من ضمن تلك الضوابط أن العناصر الفنية المتعاقدة لن تعمل ألا لمرة واحدة فقط خلال الموسم ، وأي عنصر فني سيحصل علي تقدير ضعيف يتم وقفه لمدة عام ، وإذا تكرر هذا التقدير مرة ثانية ينظر في وضعه ، ولا يجوز تغيير عنوان النص المسرحي ، وينبغي التزام المخرجين بالعنوان الأصلي للنص المسجل في دفاتر إدارة النصوص ، والرقابة علي المصنفات الفنية ، وذلك لأنه لوحظ أن بعض المؤلفين من ضعفاء النفوس ، قاموا بتغيير عناوين نصوصهم للحصول علي تعاقد جديد ، في نفس مدة التعاقد ، للحصول علي أجر مرتين عن نفس النص ، خلال مدة الخمس سنوات .. تصور !!! وكذلك ليس من حق المخرج القيام بإخراج عرض مسرحي من تأليفه ، ولي أيضا من حقه ، المشاركة بعناصر أخري ككتابة الأشعار ، أو تصميم الديكور ،كما كان يحدث من قبل ، والشواهد علي هذا كثيرة ، ولا يجوز للمخرج العمل بالفرقة الواحدة أكثر من مرتين خلال خمس سنوات ، وذلك لكسر فكرة الاحتكار ، وهناك عدد من الضوابط المالية ، التي تنظم عملية الإنتاج ، وتقضي علي الفساد ، والاحتكار وغيرها من عوامل الخروج علي الموضوعية ، الآن ولأول مرة في إدارة المسرح ، هناك لجنة مهمتها الأساسية ، هي قراءة النصوص المسرحية ، صدر لها قرار رسمي للقيام بهذه المهمة ،من الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة لعامة قصور الثقافة ، ومهمتها ، الوصول إلي النص المسرحي الجيد، القادر علي احتضان مشاكل الناس الحقيقية ، والقادر علي التعبير عن قضايا الواقع الملحة ، والذي تتوافر فيه كل مقومات العمل المسرحي الناجح . والجيد ، فلا مكان للإرهاصات ، والتجارب غير المكتملة لأننا ندفع أجورا جيدة للمؤلفين ، ربما تتساوي مع أجور مسرح الدولة ، أو قد تزيد عنها، وأعلنها على الملأ لا مجال الآن لفرض نصوص بعينها علي المخرجين كما كان يحدث من قبل ، تحت زعم أن هناك نصوصا لا يستطيع المخرجين تقديمها في مسارح الثقافة الجماهيرية ، وكأن مسرح الثقافة الجماهيرية يخاطب شعبا لا يفهم ، أو شعبا فقد ذائقته!! كل تلك المزاعم لا أساس لها من الصحة ، لأن جماهير المسرح في الأقاليم قادرة علي الحكم ، وتملك ذائقة ، جيدة ، دفعتها إلي هجر المسرح الذي لم يعد يخاطبها بشكل فاعل ، ولا يعبر عنها ، بصدق 0

* ما هى الضرورة الحقيقية لتعدد مهرجانات المسرح للثقافة الجماهيرية وهل تؤدى الغرض منها ، وهل ستبقون عليها جميعها؟

- المهرجانات في مسرح الثقافة الجماهيرية شيء هام جدا ، لأنها ستكشف طبيعة وشكل العروض ، وستساعدنا علي معرفة أسباب الخلل ، أقصد مهرجان العروض المسرحية ألأساسية ، وليست مهرجانات المسرح النوعية ، فهذه لها صفة إعلامية ، تضر ولا تنفع ، مثل ما سمي بمهرجان المخرجة المسرحية الذي توقف ، لأنه لايعد من أعمال الثقافة الجماهيرية ، لأننا كنا نستعين بعروض من خارج الثقافة الجماهيرية ، وليس من إنتاجها ، ربما لو أن العروض كانت من داخل الثقافة الجماهيرية لكان المبرر مقبولا ، مع احتفاظي ، بحق التحفظ علي تلك التفرقة بين إبداع الرجل وإبداع والمرأة !!.