المسـتوى الفني للنشـيد الإسـلامي (2-2)

المسـتوى الفني للنشـيد الإسـلامي

ضعف في الصوت واللحن والكلمة

تعقيب على الأستاذ عبد الكريم أحمد

( 2 ـ 2 )

نجدت لاطـة  

في الجزء الأول من مقالي ذكرت أن النشيد الإسلامي وسائر الفنون لم تلق اهتماماً من الحركات الإسلامية، لأسباب كثيرة تدور كلها حول عدم إدراك أهمية الفنون في حياة الناس وأثرها فيهم.

فهناك تساؤلات كثيرة أضعها أمام القارئ وهي خاصة بالنشيد ولكن يمكن أن تصلح لبقية الفنون .

  ففيما يخص أصوات المنشدين، فلا أدري لماذا عقمت الحركات الإسلامية أن يخرج منها شاب جميل الصوت مثل عبد الحليم حافظ أو مثل صباح فخري أو مثل كاظم الساهر...؟ فهل يخص الله عز وجل غير الإسلاميين بالأصوات الجميلة ويعطي الإسلاميين الأصوات الضعيفة أو العادية أو التي يسمعها الواحد منا فيشعر بالأسى تجاه أصحابها ؟ أم أن الأمر ليس كذلك، فقد يوجد بين الأعداد الهائلة من الإسلاميين من يملكون الأصوات الجميلة التي قد تنافس أصوات المطربين، ولكن لم يتم اكتشافهم فتذهب هذه الأصوات أدراج الرياح وتندثر. وأنا رأيت ـ بنفسي ـ  شاباً من الشباب الإسلامي صاحب خامة عالية في الصوت ، رقة وعذوبة ، وإتقاناً مذهلاً في التحكم بطبقات الصوت ، وإجادة رائعة في خلق الألحان الارتجالية. ولكن هذا الشاب كان يعيش بين مجموعة من الإسلاميين لا يلقون للفنون أية تقدير، فضاع صوته بينهم. وكنت حينما أسمعه ينشد أو يقرأ القرآن أشعر أن أعمدة وجدران المسجد تقرأ معه، فكنت أتذكر صوت عبد الحليم حافظ، لما للاثنين من الرقة والعذوبة والحنية. وفيما يخص ألحان الأناشيد..فلا أدري لماذا عجزت الحركات الإسلامية أن تلد مثل القصبجي والموجي وزكريا أحمد وبليغ حمدي وبكري الكردي؟ ولماذا لا يرزق الله المنشدين ملحناً مثل هؤلاء الملحنين العباقرة ؟ أظن أن من الحكمة في ذلك أن الله عز وجل إذا وجد قوماً لا يولون فناً معيناً اهتماماً مناسباً له لا يرزقهم عبقرياً في هذا الفن، بغض النظر عن كون هؤلاء القوم من الكفرة أو من المؤمنين . ولعله حين وجد الله الحركات الإسلامية لا تهتم بالإنشاد إلا قليلاً لم يرزقهم منشداً على مستوى عبد الحليم حافظ. وكذلك لم يرزقهم ملحناً عبقرياً كالقصبجي والموجي وبكري الكردي.            وحين كان الرسـول صلى الله عليه وسلم يعطي اهتماماً لقيمة الشعر والشعراء ( وإن من الشعر لحكمة ) ( وإن من البيان لسحراً ) حينها رزقه الله شاعراً كبيراً كحسان بن ثابت الذي غلب شاعر المشركين وكان ذلك انتصاراً للإسلام والمسلمين.. وكذلك رزقه الله خطيباً مفوهاً غلب خطيب المشركين وكان ذلك انتصاراً للإسلام والمسلمين أيضا .        وفي الفكرة نفسها ( ولكن في موضوع آخر) حين كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يُقدمون أعظم صور الجهاد والاستشهاد رزقهم الله بقادة عسكريين وفرساناً عظاماً لم يعرف التاريخ أمثالهم كخالد بن الوليد والقعقاع بن عمرو وغيرهما... .                                   أما الإسلاميون في هذا العصر فهم يحتقرون الفنون والفنانين والسينما والطرب، وعلى سبيل المثال: هل توجد في الحركات الإسلامية ميزانية خاصة للفنون؟ هل يوجد فيها مسؤولون مختصون بالفنون؟ هل فتحوا قسماً خاصاً للفنون أو للنشيد والتمثيل مثلاً؟ أعتقد تماماً أنهم لم يدّخروا فلساً واحداً لأي نوع من الفنون ولم يفتحوا قسماً للفنون، بل وحتى الإنشاد فهو يقوم في معظمه على جهود الأفراد. يا أستاذ عبد الكريم نحن نحرث في الماء، والأعداء يحرثون في أرض خصبة.. نحن نجني الفشل والهزائم والمذابح والمقابر الجماعية، والأعداء يجنون الانتصارات تلو الانتصارات ، وما ذلك إلا بالأموال الطائلة التي ينفقونها على الفنون والوسائل الإعلامية المختلفة. هل تعلم أن الحزب الإسلامي في الأردن (جبهة العمل الإسلامي ) قد فتح موقعاً على الإنترنت قبل شهر فقط؟ فالإسلاميون هم آخر من يصحوا في العمل الإعلامي ، لذا أصبحوا لا بهشوا ولا بنشوا، لا بحلوا ولا بيربطوا.. وهم ( وليس الشعوب الإسلاميون فقط ) غثاء كغثاء السيل. أين جهد الحركات الإسلامية في السبعين سنة التي فاتت؟ النتيجة لا شيء سوى أصوات هنا وهناك لا تسمن ولا تغني من جوع.. فإلى الآن لا يستطيعون إنشاء فضائية خاصة بهم، ولا إنتاج فيلم أو مسلسل... فمن باب أولى هم لا يستطيعون إنشاء دولة ، خذ مثالاً على تعثرهم في السودان .   يا أستاذ عبد الكريم, أنا وصلت مع الإسلاميين إلى اليأس منذ زمن بعيد، وما هذه المقالات التي أكتبها إلا حلاوة الروح وهي في نزعها الأخير... فكم من مناقشات حادة لي مع علماء ومفكرين ودعاة كبار حول ضرورة استخدام الوسائل الإعلامية الحديثة ولكن دون جدوى، فعقولهم في هذا الجانب مقفلة ، وهم لا يقتنعون إلا بخطب الجمعة والمحاضرات ( ويا ريتهم فالحين فيهما ) فكل خطيب منهم  يصرّ على أن يجعل أعمدة المسجد تنام على إيقاعات صوته، فلديهم خبرة عميقة في التنويم المغناطيسي. وهم ـ أعني العلماء المفكرين والدعاة ـ يرفضون تماماً أن يتحول المكرفون من أفواههم إلى أفواه غيرهم أكثر تأثيراً منهم، وهم يزعمون أن هذا أورع وأقرب إلى الشرع.. وأنا أعتقد أن زعمهم يدل على أحد شيئين لا ثالث لهما، الأول: إما على جهلهم بأهمية الوسائل الإعلامية الحديثة. الثاني: على حظوظهم النفسية التي تحب أن تسمع الشعوب منهم فقط دون غيرهم. وهم في كلا الحالتين سيسألهم الله عن هذا الجهل أو عن هذه النفوس التي تحب نفسها على حساب الدعوة والعمل الإسلامي. وفيما يخص كلمات النشيد، فلا أدري أيضاً لماذا لا يجيد المنشدون اختيار القصائد الجميلة لأناشيدهم. وإن أية نظرة إلى قائمة شعراء الأناشيد نعرف سبب ذلك، فمعظم شعراء الأناشيد هم من الطبقة الخامسة وحتى العشرة في فن الشعر. أما قصائد الشعراء الكبار فلا تجدها في الأناشيد. بل إن من المضحك جداً أن تجد أن المنشد هو المنشد والملحن والشاعر، وتزداد ضحكاً وأسى أن تجد المنشد أحياناً هو نفسه صاحب محل التسجيلات يعني هو البائع أيضاً ، ويعني أيضاً أن منشدينا من فئة ( بتاع كله) ، ويكاد ينفلق الواحد منا غيظاً حين يقرأ على الكاسيت هذه الجملة ( حقوق الطبع محفوظة). فهل كانت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز وغيرهم يكتبون قصائد أغانيهم ويلحنونها؟ صحيح أنه وجد من غنى ولحن في نفس الوقت مثل محمد عبد الوهاب وكاظم الساهر...ولكن هذا نادر.     

ولا بأس هنا أن أذكر أسماء الشعراء الذين غنى لهم المطربون الكبار مع ذكر القصيدة والمطرب : 

 المطرب أو المطربة    

 القصيدة

اسم الشاعر

أم كلثوم حامل الهوى تعب أبو نواس
أم كلثوم أراك عصي الدمع أبو فراس الحمداني
أم كلثوم كيف ترقى رقيك الأنبياء البوصيري
أم كلثوم الأطلال إبراهيم ناجي
أم كلثوم قصائد كثيرة أحمد رامي
أم كلثوم قصائد كثيرة بيرم التونسي
أم كلثوم ثورة الشك عبد الله الفيصل
عبد الحليم حافظ الموج الأزرق نزار قباني
عبد الحليم حافظ قارئة الفنجان نزار قباني
فيروز يا ليل الصب متى غده الحصري القيرواني
فيروز قصائد كثيرة الرحباني

        فهؤلاء من الطبقة الأولى من الشعراء . أما شعراء الأناشيد فمعظمهم لم أسمع بهم ، مع أني مختص باللغة العربية ودراستي العليا كانت في الأدب الحديث. أخرج بنتيجة وهي أن القصائد الجميلة بين متناول أيدي المنشدين، لأن دواوين الشعراء القدماء والمعاصرين موجودة ، ولكن المشكلة في ثقافة المنشد التي هي مجملها ضحلة لاسيما في الشعر والأدب وتذوقهما. وأرجو من أي منشد يقرأ هذا المقال أن يقوم بإحصاء الدواوين الموجودة في مكتبته الخاصة وعندها سيجد المستوى الحقيقي لثقافته الأدبية .

والمشكلة الأخرى أن منشدينا لا يقرأون في كتب علم الموسيقى، فلا يعرفون المقامات والسلم الموسيقي. في حين نجد المطربين على ثقافة عالية وواسعة في فن الموسيقى والغناء وكثير منهم يجيد العزف . الخلاصة يا أستاذ عبد الكريم، النشيد يحتاج إلى ثورة فنية تنهض من الجذور بفن النشيد ، وهذه الثورة لن تقوم بين يوم وضحاه ، وإنما تحتاج أولاً أن تضع الحركات الإسلامية الفنون في المكان المناسب في سلم أولويات العمل الإسلامي، فترصد للفنون المبالغ الكبيرة، ثم تعمل على تدريب وتأهيل الكوادر الفنية في معاهد فنية خاصة .    وفي الختام أنا أعتب عليك يا أستاذ عبد الكريم إطراءك الزائد على المنشدين فيما تكتبه في صحيفة ( أمان ) ، وصحيح أنه واجب علينا تشجيع المنشدين ولكن علينا كذلك أن نكون منصفين ، فنذكر الأخطاء والعيوب والضعف في النشيد حتى يتم تلافي هذا الضعف. فأنت مثلاً كتبتَ مؤخراً عن المنشد الخليجي محمد الحسيان بخصوص ألبومه (مولاي) بأنه : ( أداء متزن وتقنيات عالية وألحان راقية وكلمات محترمة ويستحق الانتشار ليس عربياً فقط وإنما عالمياً ). فهل حقاً كان المستوى الفني لألبوم ( مولاي ) هذه المكانة ؟ أظن أن هذا الوصف تستحقه أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وصباح فخري فقط ، بل وحتى كاظم الساهر لا يستحقه ، فمن باب أولى ألا يستحقه المنشد محمد الحسيان، مع احترامي الكبير له . وأنتهز الفرصة هنا لأشكره على ألبومه ( مولاي ) وأستحثه على بذل المزيد في تطوير النشيد ( أداءً ولحناً ومعنى)، فالنشيد جهاد بالكلمة، وحين يجيد المنشد الإنشاد إجادة حسان بن ثابت للشعر فإن جبريل عليه السلام سيقف معه كما وقف حسان في سالف الأزمان .