التشكيلي إبراهيم العوام
نشوة الحس وفيوض الروح
سليمان عبد الله حمد
عند استقبال الأنماط الغريبة الغربية الكاسحة في زمن العولمة وأدى بالتالي إلى كسل
في غدد الإبداع وإلى استسهال الأخذ بالأنماط الشائعة , وسابقة التجهيز , سوى من
الغرب أو حتى من التراث والواقع وأنتهى الأمر إلى ضعف روح الإبتكار .في عملية
التأثر والإستلهام , بمعنى ضعف الروح الطليعية المبطنة بفكر وشكل جديدين يتجاوزان
الرؤى المستهلكة , محلية كانت أو أجنبية وهكذا نفتقد منذ سنوات قامات طليعية رائدة
كانت كعلامات الطريق في الفن السوداني الحديث. أمثال ( أحمد شبرين ) و( ابراهيم
الصلحي ) و( أحمد عبد العال ) و( ابراهيم العوام ) .ولنا مع الفنان الأخير هذه
الوقفة هنا . ولد في العام 1935 بالزومة مركز مروي بالشمالية , أقام أول معرض له في
العام 1965 بالسودان وكان قد أتم دراسته بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في العام ثم
بكلية التربية بالسودان في العام 1966 وتواصلت معارضه ومشاركاته الفنية منذ ذلك
الوقت بين السودان ومصر وألمانيا وكوريا ولندن والشارقة وطهران وموناكو, أما مجاله
التعبيري فهو التجريد من منطلق روحاني أو صوفي وهو الخروج على مرجعية الفن الأوربي
بروافدها ومثالياتها العديدة بدأ من الأروسطية والأفلاطونية إلى الحسية والمادية ,
والتشبيهية والسيكولوجية , وأنتهاء بمدارس الحداثة وما بعد الحداثة كما ترصدها
المعاجم والكتب المدرسية في مسعى لايكل من الوصول إلى جمالية جديدة للوحة عربية
إسلامية الهوى إن جاز التعبير , ولعله بذلك يعد من آواخر رواد الفن الحديث في
السودان اللذين حققوا خلال فترة السبعينات والثمانينات خصوصية مميزة بتنا نفتقدها
بشده كما أسلفنا القول.
لقد ألتقيت الفنان التشكيلي العوام وأعماله بالقاهره في العام 1975 حيث اقام معرضه
فيها , وكتب عنه في مجلة ( الطليعة القاهرية ) , حيث قدم فيه ثلاثة مجموعات فنية
تعبر عن مسيرة متصلة لتطوره الفني الأولى تمثل البدايات الفنية له , اسميته المرحلة
الموضوعية حيث نجد الإنسان شكلا ومضمونا في المحور الرئيسي فيها وتتفاوت نبرة
التعبير في تلك المجموعة بين التصريح والرمزية والشاعرية كما تتفاوت مناهله
التشكيلية بين التكعيبية والسريالية من ناحية , وبين الوحدات الفلكورية العربية
والأفريقية من ناحية أخرى , والمجموعة الثانية تمثل المرحلة الحروفية التي يستخدم
في بنائها الحروف العربية في نسق عضوي ومحكم , يجمع فيها بين التسطيح والتجسيم
لبنية الحرف وإيحائها بالبعد الثالث عن طريق تفاوت النسب .بين أحجام الحروف .
وتفاوت مستوى الوضوح والغموض في درجاتها اللونية موحية بنوع من المناجاة الصوفية ,
وبين تلاشي ذات المخلوق الفرد في ذات الخالق الأعظم , لتحل في ذات الفرد قوة روحية
نابعة من هذا التوحيد والإندماج.