دردشات في مؤتمر الوسطية

حول الفن والثقافة

نجدت لاطة

[email protected]

قبل عيد الأضحى عُقد مؤتمر الوسطية في العاصمة عمان، وحضره كثير من المثقفين، وأُلقيت فيه أكثر من ثلاثين محاضرة ثقافية تخص الفكر الوسطي الذي دعا إليه الإسلام في كل نواحي الحياة، وقد كان من ضمن الحاضرين الداعية الكبير عمرو خالد، والدكتور طارق سويدان.

وكما هي عادة كاتب هذه السطور أن يدردش ويناقش ويشاكس في مثل هذه المؤتمرات عن الفن وضرورته في العمل الإسلامي، وتزداد حدة النقاشات حينما تكون عن السينما الإسلامية (الأفلام والمسلسلات والمسرحيات) وذلك بسبب تغييبها من قبل الإسلاميين، وبالتالي حرمان المسلمين في العالم من هذا الفن الخطير الذي هو أكثر الوسائل المستجدة تأثيراً في الناس. وأنا أعتبر تغييب الفن السينمائي الإسلامي أكبر جريمة يرتكبها الإسلاميون في حق شعوبهم، وكيف لا يكون جريمة وهم يرون تلك الشعوب تُمسخ بهذا الفن مسخاً عجيباً لا مثيل له في تاريخ الإسلام، ومع ذلك فنجد الإسلاميين يقفون متفرجين لا يفعلون شيئاً تجاه إيجاد البديل، أو تجدهم كالنائحة تندب حظها، أو تجدهم يلعنون الظلام، أو تجدهم يشتمون الحكومات التي تسمح بعرض الأفلام والمسلسلات في قنواتها وصالات السينما. وهذا ـ طبعاً ـ أسلوب الإنسان اليائس البائس السلبي الذي لا يأتي بخير.   

ونقاشاتي ودردشاتي مع المحاضرين والدعاة ليست خلال إلقاء محاضراتهم، وإنما أنزوي بهم خارج القاعة وأدردش معهم، فعندها تحلو النقاشات وتحتد.

الداعية الكبير عمرو خالد:

أول ما وصلت إلى المؤتمر رأيت الأستاذ عمرو خالد خارج القاعة، ورأيته واقفاً مع فتاة سافرة تلبس البنطلون، وهو يتناقش معها، فوقفت قريباً منه أنتظر أن ينتهي منها، وبعد أن انتهى منها سلمت عليه وقلت له على الفور: أنا كلما رأيتك تقف مع الفتيات السافرات أفرح كثيراً، فضحك، وقلت له: هؤلاء الفتيات السافرات هن اللواتي بحاجة إلى دعوتك، وهذا يعني عندي أنك داعية ناجح، أما الدعاة الذين لا يقفون إلا مع الفتيات المحجبات فليسوا بناجحين، فضحك مرة أخرى. وقلت له: أريد أن أجري معك مقابلة صحفية فأنا صحفي، فوافق وأعطاني رقم تلفونه الخلوي.. ولكن بسبب وقته الضيق جداً لم أستطع أن أجري معه تلك المقابلة، فقد سافر خلال الأربع والعشرين ساعة.

وبالنسبة إلى محاضرته فهو الوحيد الذي امتلأت له القاعة بالجمهور، وكان معظم الجمهور من الفتيات، المحجبات والسافرات، وكانت محاضرته عن دور الشباب في نهضة الأمة.

الدكتور طارق سويدان:

محاضرته كانت رائعة جداً، وكانت عن عالم الفضائيات، عددها وأنواعها، وعدد المشاهدين لكل قناة، وعدد المشاهدين لكل برنامج، وغير ذلك مما يخص القنوات الفضائية.

فكان مما ذكره أن أكثر ما يشاهده الجمهور هو الأفلام والمسلسلات، وذلك بفارق كبير عن أي برنامج آخر مهما كان نوعه، سواء أكان برنامجاً ثقافياً أم أخباراً أم فنياً أم صحياً أم عن الطبخ أم عن الرياضة.. بمعنى آخر أن الأفلام والمسلسلات هي المسيطر الأول على الجماهير، وهي الموّجه الأول لهم.

فبعد المحاضرة وقبل أن يدخل في نقاش مع أحد، وكان محاطاً بالجمهور الذي استمع له، قلت له: إذا كانت الأفلام والمسلسلات هي الأكثر مشاهدةً من الجمهور فلماذا لا تضع مسلسل (باب الحارة) في قناة الرسالة باعتبار أن المسلسل نظيف ويدعو إلى القيم الأخلاقية النبيلة ؟ فقال لي: لن نضع مسلسل (باب الحارة) ولا غيره من المسلسلات حتى ولو كانت إسلامية، وذلك لسبب بسيط وهو أننا حينما حذفنا المسلسلات من قناة الرسالة ازدادت نسبة المشاهدين للقناة، بل إننا حينما حذفنا أناشيد الفيديو كليب ازداد أيضاً عدد المشاهدين للقناة، لذا لن نبثّ تلك الأناشيد ولا تلك المسلسلات. فقلت له: وهل يُعقل أن تكون القناة الإسلامية بدون مسلسلات؟ وأين سيرى أولادنا المسلسلات؟ هل نجعلهم يفتحون على القنوات الأخرى ليشاهدوا المسلسلات؟ فقال : ليشاهدوها في القنوات الأخرى. ثم قال وهو يضحك: هم يشاهدونها في القنوات الأخرى من حيث لا نعلم.

وأنا منذ هذا اللقاء وأنا مصدوم بهذه الإجابة، لأن الدكتور طارق سويدان كان منفتحاً جداً خلال محاضرته، وقد أبدى وعياً عالياً حول ما يحوك لهذه الأمة من تضليل في الفضائيات، ولكن حذف الأناشيد والمسلسلات من قناة الرسالة يدل على تشدد كبير، ويدل على ضيق في الأفق.. لأن القناة الإسلامية ينبغي أن تكون برامجها تلبي حاجات جميع فئات الناس، وتكون متنوعة ما بين الترفيه والمتعة والجد، فتكون هناك دروس ومحاضرات وفتاوى ومسابقات ومسلسلات وأناشيد، بالإضافة إلى البرامج الصحية والنفسية والأسرية والرياضية والأخبارية وغير ذلك مما يشمل كافة نواحي الحياة، وهل يختلف في هذا اثنان؟ وهل هذا يحتاج إلى جدال ونقاش؟ 

المنشد الكبير أبو راتب :

كان من ضمن الحاضرين المنشد الكبير أبو راتب، وكان مستمعاً وليس محاضراً، وجلسنا سوية جنباً إلى جنب نستمع تلك المحاضرات. وكان بين الفينة والأخرى يقول: انظر إلى تلك الدكتورة، لقد كنا نعمل معاً ونحن حاصلان على الباكالوريوس فقط، وهي الآن دكتورة وتلقي المحاضرات في المؤتمرات، أما أنا فما زلت بدون دكتوراه إلى الآن. فقلت له: أنت يا أستاذ أبا راتب أهم من كل الحاضرين (ما عدا عمرو خالد وطارق سويدان) لأنك تؤثر ـ سابقاً ولاحقاً ـ في الملايين الذين استمعوا ويستمعون أناشيدك، الفنان في زماننا أهم من ألف دكتور ومثقف.

والمشكلة أن الإسلاميين يعتقدون أن الشيخ أو العالم أو المفكر أو المثقف أهم من الفنان في زماننا، وهذا الاعتقاد جرّ على المسلمين الويلات، وكانت نتيجته أن الفنون خرّبت الأمة ومسخت الأجيال. والإسلاميون ما زالوا عند اعتقادهم لا يبدلونه ولا يغيرون شيئاً، وبالتالي هم يخسرون الجماهير العريضة التي توجهها الفنون الهابطة.

هل يخفى على أحد أن تأثير المطربة نانسي عجرم في الجماهير أشد من تأثير ألف شيخ وألف عالم وألف مفكر وألف مثقف؟ فإلى متى ينتهي هذا التفكير الأعوج عند الإسلاميين بخصوص الفنون؟ ألا يرى الإسلاميون أن الأفلام العربية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم؟ فنجد الأفلام ( مذكرات مراهقة، الأبواب المغلقة، الباحثات عن الحرية ، أسرار البنات.. وغيرها) تبث السم الزؤام في المشاهدين، ويشاهد تلك الأفلام معظم الناس. في حين لا يسمع لمحاضرات المشايخ إلا ثلاثة في المائة أو خمسة في المائة من الناس، أما الخمسة والتسعون بالمائة فهم تحت رحمة الأفلام والمسلسلات.

المنشد يحيى حوى :

وكان من ضمن الحاضرين أيضاً المنشد المتألق يحيى حوى ، وبالمناسبة يعجبني في الأستاذ يحيى حوى أنه يحضر المؤتمرات والندوات الثقافية، فقد رأيته في عدة مؤتمرات ثقافية. لأن المنشد الذي يتابع الثقافة يعني أنه منشد يحمل رسالة، وهو يحملها بوعي، أما المنشد الذي لا يتابع الثقافة فهو يحمل رسالة بدون وعي.

وقد يقول قائل: وهل كانت المطربة أم كلثوم والمطرب عبد الحليم حافظ يحضران مؤتمرات وندوات ثقافية؟ فأقول: لم يكونا يحضران أية مؤتمرات ثقافية، ولكن ألا يعلم الجميع أن بيوتهم كانت تغص بعمالقة الفكر والثقافة والصحافة والفن والشعر؟ وكانت تلك السهرات الثقافية على أعلى مستوى في الثقافة والفن والشعر.

أما معظم المنشدين فلا أظن أن بيوتهم تغص بأنصاف المثقفين ولا أنصاف المفكرين ولا أنصاف الفنانين ولا حتى بأنصاف الشعراء، اللهم إلا ما ندر جداً، وهو لا يكفي لاطلاع المنشدين على ثقافة العصر الذي نعيشه. لذا فحضور المؤتمرات والندوات الثقافية ضرورية لثقافة المنشد ووعيه.

وذكرت للأستاذ يحيى حوى ما قاله الدكتور طارق سويدان عن حذف المسلسلات وأناشيد الفيديو كليب من قناة الرسالة، فاستهجن ذلك وقال لي: أبشر، فنحن نعدّ لقناة جديدة، وسوف ترى فيها ما يسرّك.