المقامة الأولمبية
مقامات آخر الزمان
كاظم فنجان الحمامي
حدثنا صابر بن حيران . قال : كنت ببكين وقت الأولمبياد. قادما من بغداد. وكان شعار التنين والنيران, مطبوعا في كل مكان, وعلى القبعات والقمصان, والجدران والحيطان. وتوزعت اللافتات من بكين إلى سور الصين. ومن قينجداو إلى تيانجين. وفي الساحات والميادين. ونشرت على مبنى اللجنة الأولمبية, والمطاعم الشعبية, والقاعات الرياضية. .
وفي اليوم الثامن, من الشهر الثامن, من العام الثامن, في الألفية الجديدة, بدأت الألعاب في المدينة السعيدة, فشغلت الصالات الفريدة. . وبذلت الصين ما لديها من مساعي, وأطلقت قمرها الصناعي, لنقل البث التلفزيوني والإذاعي, إلى المشاهد الغافل والواعي. .
ورحت أتجول في ملعب عش الطائر, وأتقصى تلك الزخارف والمناظر, فأندهشت من ذلك التأثيث الهندسي الفاخر, والتنظيم الإستعراضي الباهر. وكان الملعب من تصميم الفنان آي , من أبناء مدينة شنغهاي, المشهورة بزراعة القطن والشاي. وهو بكلفة ثلاثة مليارات يوان, وتساوي نصف عدد السكان. وكان من أروع ما صممه الإنسان, على مر العصور والأزمان. .
وعلمت بأن أكثر من عشرة آلاف من اللاعبين واللاعبات, والمتنافسين والمتنافسات, وفدوا من وراء البحار والقارات. ليحصدوا الأوسمة والميداليات, التي بلغ عددها ثلاثمائة وأثنين, مصنوعة من الذهب اللجين. ومخصصة للألعاب الفردية, والفرق الزوجية, والمباريات الجماعية. .
قال صابر بن حيران : وبدأت الألعاب, وبانت فتوة الشباب, فأثارت الغبار والعباب, بين الخصوم والأحباب. بمشاركة البنين والبنات, من كل الأعمار والفئات, وجميع الأقطار والجنسيات, وبحضور بوش ملك النكبات والمصائب, وصانع الدمار والخرائب. .
واستحوذ المتنافسون على معظم الميداليات, واستحقوا الهدايا والشارات, والرموز والعلامات, والشهادات والأمتيازات. وعزفت الأناشيد الوطنية, وتعالت الأهازيج التشجيعية, والصيحات الحماسية, وارتفعت الأعلام الدولية. وتقهقرت الفرق العربية. وتفجرت العزيمة الجامايكية, فحطمت الأرقام القياسية. .
ولمع اسم فيلبس في الساحة, وبرع في ألعاب السباحة. واستمتع بقضم التفاحة. وكسب في عمره الرياضي, ما كسبه العرب في الحاضر والماضي . .
واستمر الصراع والكفاح, فتحقق الفوز والنجاح. لكل من جاهد في المساء والصباح. أما نحن فخرجنا مهزومين كالعادة, على الرغم من مشاركة صاحب السعادة, في مسابقة الرماية والسدادة. وكانت حصة العرب ذهبيتين, حصلت عليها تونس والبحرين, وعادت الوفود العربية بخفي حنين. وتقدمت علينا توباغو وترينيداد, على الرغم من كثرة نفوسنا في التعداد, لكننا فشلنا في صناعة الأمجاد, ولم نفلح في هذا الحصاد. .
وبكيت من الفرح بعد فوز الملولي أسامة, ونجاح رشيد رمزي القادم من المنامة. ونحمد الله على السلامة. .
ولاذ وزراء الرياضة بالصمت المطبق, وتعللوا بالكلام المنمق, والتحليل الملفق, والتصرف الأخرق, لتبرير تواجدهم في الصين من أجل التسوق. ولم يخجلوا من التعثر الفاضح, والفشل الواضح. وخاب أمل الجاهل والعاقل, والإنتهازي والمناضل, في تلك الميادين والمحافل. .
وكان من المحتمل أن نتجنب الهزيمة, ونحضى بالغنيمة, لو كانت الألعاب في البطالة والتسكع, والتبذير في التبضع. والتخلف والتقوقع, واللهو والتمتع. فنحن أبطال الفيديو كليب بلا منازع, وألعاب القمار من غير رادع أو وازع , وأكل الهمبرغر والكوارع, والتشفيط في الشوارع. .
وهكذا قررت الرحيل والفرار, والعودة إلى الديار. فوصلت المطار, ودخلت قاعة الإنتظار. وإذا رجل خليجي مثلي محتار. فرفع عقيرته, وأنشأ يقول :
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد
قال صابر بن حيران : وَنَظَرْتُ فإِذَا هُوَ العم أبو راشد النجدي . فقلت له : نحن لا نملك عدّة غير الدعاء, ولا حيلة غير البكاء, ولا عصمة غير الرجاء. فقد ضاعت علينا في بكين الفرصة, وهذه كل الحكاية والقصة, التي جلبت لنا الحسرة والغصة. وسوف يتكرر المشهد بعد أربعة أعوام, عندما نشارك في أولمبياد لندن مع بقية الأقوام. وسنضيع في ذلك الزحام, وذلك بسبب غياب التخطيط والأهتمام,. والعيش في قفص الأحلام...