كأنه شمعة في معبد....
كان الشاعر حسن الزبير نحيلاً كأنه آهة تمشي، كان صوّاماً قوّاماً عليه لمحة من إشراق كأنه شمعة في معبد، يكتب الكلمة الغنائية بطريقة فيها من الشفافية ما يجعلك تشعر كأنك أمام بستان يتكلم، في رأيي أن أغنيته (ما بنختلف) التي غناها الفنان الراحل خوجلي عثمان تعد من أعظم الأغنيات التي عرفها تاريخ الغناء في السودان، وقد قال عنه الشاعر محمد بشير عتيق إن حسن الزبير يكتب الشعر بالبساطة التي يتناول بها برتقالة من حدائق شمبات.
< ونحن نعيش ذكرى كجراي ما زلت أذكر مقهى الذكريات وهو مقهى قديم كان يقع على طرف من السوق المركزي في مدينة كسلا، كان هذا المقهى هو المكان المفضل للشاعر الكبير ، حيث كان يتناول فيه قهوته المسائية بين مجموعة من أصدقائه من عشاق الكلمة الشاعرة، كنت تراه يضاحك هذا ويمازح هذا وهم من حوله يعلمون تماماً أنه الآن بينهم أخاً وحبيباً، ويعلمون أيضا أنه سيخرج آخر الليل ليقود كتيبة من المحاربين سراً ضد قتلة الحريات من المستعمرين ، كان لا يهدأ له خاطر ولا يغمض له جفن وشمس كسلا مقيدة بالسلاسل، كان عليه الرحمة ثائرا وشاعراً.
< رفضت لجنة النصوص بالإذاعة السودانية أغنيتي (بدري من عمرك) وأشارت إلى أن المقطع الذي يقول (والله أنت سعيد يا البريدك أنا) فيه دلالة واضحة على كثير من النرجسية، وبما أن الشاعر الكبير إبراهيم العبادي كان على رأس هذه اللجنة حاولت أن أقنعه أن في هذا القرار ظلماً كبيراً يقع عليَّ وأكدت له أن هناك أكثر من أغنية تمت إجازتها من لجان سابقة حملت ما هو أكبر من اتهام لأغنيتي بالنرجسية، فقال لي أعطني مثالاً لذلك، فقلت له (القبلة السكرى)، فضحك قائلاً: أغنيتك تمت إجازتها، وقد كان.
< بعد عودته متأخراً من أمسية سياسية ساخنة تفاجأ محمد أحمد المحجوب رئيس وزراء السودان الأسبق بضجة عالية قادمة نحو منزله من أحد المنازل المجاورة وكانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بقليل، حاول المحجوب أن يغمض عينيه لينام إلا أنه كان يصحو على صوت فنان كاد أن يصيبه بصداع نصفي، فأرسل أحد أبنائه ليستأذن عريس الحفل بالعمل على تخفيض مكبرات الصوت أو ينبه المغني أن يتكرم بتخفيض صوته قليلاً.
< تتحدث الأساطير اليونانية عن كهف اسمه (كهف العبقرية) من يتسلل إلى جوفه يخرج منه عبقرياً, واشترطت الأسطورة أن الراغب في الدخول إلى هذا الكهف عليه أن يدفع نور عينيه ثمناً، ونبَّهت إلى أن أختام العباقرة جاهزة لكل من يرغب في الحصول عليها من البشر، قلت لنفسي أعرف أن هنالك عباقرة قدموا للبشرية أمجاداً جعلت التاريخ ينحني إكراماً لهم إلا أنهم رحلوا وهم فقراء لا يملكون ثمناً لقطعة خبز، مالي أنا وهذه العبقرية التي جعلت من عبقري مثل الكاتب الروسي (تولستوي) يعمل على غسل ملابس زوجته ليلاً.
هدية البستان
مشي أمرك يا قدر .. إنت أحكامك مطاعة
ولو حصل نحنا افترقنا والليالي الهم أضاعا
لمسة الذكرى المعايا تبقى زاد روحي ومتاعا...
منقول عن الراكوبة
وسوم: العدد 685