عبد الحليم حافظ خالد الذكر
عندليب زمن الفن الجميل عبد الحليم حافظ الذي ودعنا وودعناه في الثلاثين من شهر مارس عام 1977 ودعناه جسدا ولكنه بقي معنا روحا وفنا خالدا وتراثا كل يوم يتجدد .. نذكره ولا ننساه .. نذكر كل نسمات الحب التي عطر بها حياتنا .. نذكر نفحات الآمل التي غمر بها بناينا ونستلهم كل نبضات القلب والتي حيا بها كفاح وطنه ونضال أمته .
فنان مصر والعالم العربي العندليب عبد الحليم حافظ تغلب علي مرضه في سبيل حبه لفنه فكان ينزف الدم ولكنه ما غاب يوما عن مصر وعن أداء واجبه فكانت كلماته صادقة وأحبها الناس في كل مكان وأحبوه .. فكان حب الناس أغلى الأوسمة .. فقد عاش كفاح وطنه المصري.
علاقة عبد الحليم حافظ بضباط ثورة 23 يوليو عام 1952 بدأت قبل اندلاع الثورة بحوالي ستة أشهر فقد جمعه لقاء بالشقيق الأكبر لصلاح سالم وهى محيي سالم الذي كان من أصدقاء وحيران عبد الحليم وفي شهر نوفمبر عام 1952 أي بعد قيام الثورة ذهب عبد الحليم حافظ إلى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة وقدمه صلاح سالم للرئيس جمال عبد الناصر الذي كان وزيرا للداخلية وقتئذ وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وللوهلة الأولى أدرك عبد الحليم أن جمال عبد الناصر هو مفجر الثورة واستمر لقاء عبد الحليم وجمال عبد الناصر نحو 30 دقيقة وخلالها تحدث حمال عبد الناصر عن دور الفن في بناء المجتمع والتعبير عن الثورة وقال لعبد الحليم : أنت ابن هذه الفترة وأعرف ماحدث ذلك عندما غنيت في الإسكندرية ورفضك الجمهور ثم أكد جمال عبد الناصر لعبد الحليم حافظ على أن الناس لاترفضه وليس فاشلا ولكنه أسلوب جديد في الأداء.
كان عبد الحليم حافظ الصوت المغرد لثورة 23 يوليو 1952 وما بعدها في 18 يونيو عام 1953 ألغيت الملكية في مصر وأعلنت الجمهورية وفي الحفل الذي أقيم زف الفنان يوسف وهبي نبأ انتهاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية وتأخر الفنان محمد عبد المطلب عن موعد فقرته الغنائية في هذه الليلة لأكثر من ساعة فجاء قرار يوسف وهبي بأن يكون عبد الحليم البديل الذي يملأ هذه الفقرة وبالفعل قدمه يوسف وهبي مع صديقه ورفيق كفاحه محمد الموجي وغنى عبد الحليم واستقبله الجمهور بإعجاب شديد وتصفيق حاد ولمع اسمه.
كان الرئيس عبد الناصر من أشد المعجبين بصوت عبد الحليم والمتحمسين للتجربة الحليمية في الغناء العربي وبعد إجراء استفتاء عام في 23 يونيه عام 1956 تم انتخاب الرئيس جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية والتقى الشاعر صلاح جاهين والموسيقار كمال الطويل وعبد الحليم وقدموا أول أغنية وطنية وهى إحنا الشعب وذات مرة شاهد محمد حسنين هيكل الرئيس جمال عبد الناصر في شرفة مجلس قيادة الثورة وهو يغدو ذهابا وإيابا في سعادة بالغة وهو يستمع لأغنية إحنا الشعب التي ألهبت خيال الشعب المصري وكانت اللازمة في الأغنية ( سبنا في إيدك مصر أمانة ) وقال الرئيس جمال عبد الناصر لمحمد حسنين هيكل : أحسست بشعور غريب وأنا أسمع هذا التعبير .. سبنا في إيدك مصر أمانة .. إن مصر فعلا في ظرف خطير وهى بالفعل أمانة مرهونة على حسن تصرفنا وعلى شجاعتنا في المواجهة .
عبد الحليم حافظ كان شديد الارتباط بالوطن والشعب ولذا سكن في القلوب والعقول وفي الأول من شهر نوفمبر عام 1959 بدار سينما ريفولي وفي الحفل الذي أقامته جريدة الجمهورية دعما لطلاب المحتاجين غنى عبد الحليم قصيدة ( ذات ليلة ) كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز والحان كمال الطويل وغناها عبد الحليم وقبل أن يبدأ حليم في الغناء قال : لما استدعانا صلاح سالم رئيس تحرير الجمهورية علشان يناقشنا في مشروع الطلبة وأنا قاعد حسيت أني طالب عاجز عن دفع المصروفات وحبيت أخدم هذه القضية بفني ... وهذه قصيدة بالفصحى ونعلم أن مرسي جميل عزيز يكتب بالعامية وهذا اكتشاف جديد لإبداع مرسي جميل عزيز في شعر الفصحى
غنى عبد الحليم للسد العالي وإنجازات ثورة يوليو وفي شهر يوليو عام 1963 أصيب عبد الحليم حافظ بنزيف بعد حفلة أعياد الثورة .. وفي يوم دق جرس باب شقة عبد الحليم .. فتح السفرجي عبد الرحيم الباب فوجد أمامه الرئيس جمال عبد الناصر .. سأله الرئيس عن عن صحة حليم .. هرول السفرجي أمامه ليجلسه في الصالون ويتطاير الخبر إلى عبد الحليم في سريره فَيَهِم بالنهوض رغم مرضه إلا أن الرئيس ترك الصالون وجاء بنفسه لغرفة حليم وقال له : خليك في سريرك ثم سحب مقعدا ليجلس عليه وقال : يا حليم أنت تسافر للعلاج ولما تيجي بسلامة الله حاول تتفق مع صلاح جاهين وكمال الطويل وتعملوا 28 أغنية صغيرة تحت اسم ما ( هى اللغة العربية ) أي : بعدد حروف اللغة .. ثم قال الرئيس جمال عبد الناصر: التلفزيون دخل بلدنا ولسه فيه ناس مش بتقرأ ولا تكتب يمكن لما تعملوا أغاني الناس تقبل على محو أميتها.
في عام 1965 كانت انتخابات رئاسة الجمهورية ومن على فراش المرض أرسل عبد الحليم حافظ رسالة إلى أنور السادات رئيس مجلس الأمة وقتئذ وقال عبد الحليم حافظ في الرسالة : ( السيد أنور السادات .. أقسم لك بعروبتي وقوميتي وبلدي أنه إذا لم يرشح مجلسكم الموقر الرئيس جمال عبد الناصر فإنني لن أغني مدى حياتي ) وفي 5 يونيو عام 1967 قامت إسرائيل بعدوانها الغادر واحتلت سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان السورية فكانت الصدمة الكبرى للعندليب عبد الحليم حافظ والأمة المصرية والعربية وطلب عبد الحليم من عبد الرحمن الأبنودي عدم الصمت والاستسلام وذات يوم قال للأبنودى حلمت انى لابس جلبية بيضاء والناس شايلني في ميدان التحرير وبيهتفوا عاوزين نكتب ندعم الوطن فكتب الابنودى في شقة عبد الحليم بالزمالك ( عدى النهار ) وأثناء تلحين بليغ حمدي الكلمات وعند : ياهل ترى الليل الحزين .. أبو النجوم الدبلانين .. يقدر ينسيها الصباح .. أبو شمس بترش الحنين فقال بليغ حمدى : عايز شطرة قد ( أبو النجوم الدبلانين ) وهنا قال عبد الحليم : ( أبو الغناوي المجروحين ) .
علم الشاعر محمد حمزة ببطولات البطل عبد الجواد محمد مسعد سويلم والذي كتبت عنه كتابي ( البطل الأسطورة ) والذي تم تجنيده في الصاعقة وقام خلال معارك الاستنزاف بتدمير 16 دبابة إسرائيلية و 11 مدرعة و 2 بلدوزر و 2 عربة جيب و6 طائرات إسرايلية بمطار المليز وأصيب البطل عبد الجواد سويلم بصاروخ أطلقه عليه طيار إسرائيلي ونتج عن الإصابة بتر الساق اليمنى للبطل عبد الجواد سويلم وأيضا الساق اليسرى وساعده الأيمن وفقد عينه اليمنى مع جرح كبير غائر بالظهر وركب أطراف إسرائيلية وواصل كفاحه .
لحن الكلمات التي كتبها الشاعر محمد حمزة بعنوان فدائي الموسيقار بليغ حمدي وغناها عبد الحليم حافظ وعندما تقابل الشاعر محمد حمزة مع البطل عبد الجواد سويلم قال له : أنت البطل عبد الجواد ؟ أنا كتبت لك أغنية فدائي
كان عبد الحليم حافظ يبدأ حفلاته بأغنية أحلف بسماها وبترابها كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والحان كمال الطوي.
بعد اندلاع المعارك يوم 6 أكتوبر 1973 الموافق 10 رمضان 1393 هجريا قرأ الشاعر محمد حمزة مقالاً للأستاذ محمد حسنين هيكل بجريدة الأهرام فتأثر به وكتب أغنية عاش ولحنها الموسيقار بليغ حمدى وغناها العندليب عبد الحليم حافظ في أول حفل أقيم بعد نصر أكتوبر وكان يبدأ بها حفلاته بعد النصر العظيم .
أثناء سير المعارك على جبهة القتال في أكتوبر 1973 لأجل تحرير سيناء الحبيبة كتب محسن الخياط لفي البلاد ياصبية وذهب إلى منزل عبد الحليم حافظ فوجده نائماً فانتظر حتى استيقظ وأسمعه الكلمات فأعجب بها وعلى الفور اتصل عبد الحليم حافظ بالإذاعى وجدى الحكيم مسئول إنتاج الأغانى بالإذاعة وقال له : أرجو استخراج تصريح دخول للإذاعة للشاعر محسن الخياط لأننى سوف أحضر لتسجيل أغنية ولحن محمد الموجى الكلمات وغنى عبد الحليم لفي لبلاد ياصبية.
قام الفنان عبد الحليم حافظ بالاتصال بالشاعر عبد الرحمن الأبنودى وقال له : أنت كتبت العديد من الأغنيات الوطنية قبل انتصار أكتوبر 1973م وبعد هذا الانتصار العظيم أنا عايز أشدو بكلمات وطنية تكتبها أنت فكتب الشاعر عبد الرحمن الأبنودى أغنية صباح الخير يا سينا ولحنها الموسيقار كمال الطويل وسجلها عبد الحليم حافظ عام 1974م برغم مرضه الشديد .
في الخامس من شهر يونيو عام 1975 قام الرئيس السادات بافتتاح عودة قناة السويس أمام الملاحة العالمية بعد إغلاقها في يونيو عام 1967 لمدة 8 سنوات وطلب الرئيس محمد أنور السادات من الموسيقار محمد عبد الوهاب تقديم أغنية خاصة تعبر عن فرحة الشعب بعودة الملاحة فى قناة السويس وطلب منه أن يلحنها ويغنيها العندليب عبد الحليم حتى يجتمع اثنان من العمالقة فى أغنية واحدة تعبر عن حدث وطنى مهم وتم وقد اختيار كلمات الشاعر الصحفي مصطفى الضمراني التي بعنوان المركبة عدت من بين عشرين نصا كانت بينها منافسة للتعبير عن الحدث وكانت رئيسة التليفزيون وقتها الإعلامية القديرة سامية صادق التى عبرت عن سعادتها بمعايشتها لهذا الحدث وقالت : إنها لحظات لا تنسى حيث أشرفت على تصوير الأغنية بشكل يعبر عن استبدال النكسة ولحن الكلمات الموسيقار محمد عبد الوهاب وغنى العندليب عبد الحليم حافظ ( المركبة عدت ) كما غنى عبد الحليم حافظ من كلمات محسن الخياط والحان محمد الموجي ( النجمة مالت ع القمر.
قبل أن نفترق أهديكم ماكتبته عن العندليب وضمه ديواني احكي وقول ياورق :
تعالى عيد فننا يا عندليب غنى
يا مسك أهل النغم يا كف متحنى
هاجرت طيور الهوى ما اعرفشى راحت فين
كل الأصيل اغترب وتاهت العناوين
يا عندليب النغم شوف الطرب مالُهْ
تعالى شوف حاله
يا عندليب النغم ...
فن السمع مظلوم
والعين فـي عصر الصور
زادت همومها هموم
يا عندليب النغم
سيرتك خلود فـي خلود
فنك برغم السفر
فوق الجميع موجود
والغصن مهما دبل
يفضل عبيره يجود .
وسوم: العدد 727