وطني.. تركته و لم يتركني!

شيماء اعبيدو

يصرخ بأعلى صوته " أين و طني ؟ أريد وطني ، أين أجده ؟ و يستيقظ من سبات نومه متعجبا ، بنفسية مهزوزة ، إنه اليوم السابع الذي يتكرر فيه نفس الحلم ، و لا يوقظه سوى وقع صراخه أثناء النوم ، يبدو أن الوطن هو ضالته التي كان يبحث عنها في حلمه ، بعد أن كتب عليه العيش مغتربا ، بعيدا عن أهله و أحبابه . يتنفس الصعداء و يحاول تجاهل الأمر بينما يتناول فطوره ، ثم ينطلق نحو عمله ؛ عندما خرج من منزله لم يكن يدرك أن يومه هذا سيختلف عن أيامه العادية الرتيبة ، فهو يعيش حياته في بحث دائم عن شيء لم يستطع بعد تحديده ، لكنه يوقن أن هذا الشيء هو السبيل الوحيد لانتشاله من فجوات الفراغ الذي يجتاح روحه ... فقير حظ هو ، تآمر القدر والزمن لإبعاده عن تراب وطنه ، ذلك الحضن الذي لا يمكن الإستغناء عنه و قيمته كشخص لا تكتمل بدونه ... كان دوما يؤمن أن الغربة ليست غربة جسد بل غربة روح فكان يجد في ذلك عزاء له ؛ ولكن حتى الآن روحه مغتربة تبحث عن شيء لا تعرف ماهيته لكن فيه ستجد الأمان ... إستقل صاحبنا سيارة أجرة لتوصله إلى مقر العمل بينما هو شارد الذهن عادت به الذكريات كما الأمواج بين مد و زجر أعادته إلى شاطئ أيام طفولته حيث كانت تنبثق رائحة الوطن من داخل رغيف خبز الصباح و تظهر صورته في قصص المقاومين التي كان يسمعها من والده ، لقد استوطن الوطن في شرايينه وعروقه ! لا زال لم يستوعب بعد كيف استطاع أن يتركه كل هذه السنين ...! استمرت عجلة الزمان بالدوران تنقله من ضفة الى اخرى تارة تهبه السعادة و تارة تهبه المعاناة ،و سرعان ما استفاق من احلامه و اوهامه المنتهية الصلاحية ، ليتنفس ثاني أوكسيد كربون الواقع الذي يخنقه يوميا ...لقد ترك و طنه بمحض إرادته والآن هو مغترب ، مغترب و غريب حتى على نفسه ... كمن أضاع روحه و استقل بجسده ؛ يخرج من صومعة أفكاره لوهلة و هو يتأمل ملامح السائق ... ـ هل أنت عربي ؟ ـ نعم ! " يقول السائق مجيبا " يتشجع الشاب ليسأل السائق مرة أخرى " إن أتيحت لك فرصة في تصحيح أحد أخطاء الماضي ، ماذا سيكون تصرفك ؟ يرد عليه السائق دون تردد : " سأعود إلى الديار ، سأعود إلى وطني ! دون وعي أو شعور طلب من السائق أن يوقف السيارة ، وترجل منها ، فصاح به السائق باستغراب : أين تذهب ؟ هذا المكان خطير جداً على الغرباء ، فرمقه بنظرة فيها ابتسامة الرجل الواثق من سعادته في السير بهذا الطريق ، ثم أجابه "سأعود إلى الديار، سأعود إلى وطني ..." و أكمل طريقه بسعادة لا توصف بعد أن عزم على العودة ؛ ركض بكل ما أوتي من قوة صارخا " نعم! ذلك الشيء! إنه أنت كم أنا أحمق كان يجب أن أعرف منذ البداية لقد تركتك لكنك لم تتركني ظللت تزورني في منامي ... وطني أنا قادم ..آه يا وطني لو تعلم كم بحثت عنك ساخبرك كم اشتقت إليك وسنبقى معا الى... الأبد."