قصص قصيرة جداً
قصص قصيرة جداً
حسين راتب أبو نبعة
الثعلب
يتمتع بمهارة فائقة في الظهور بمظهر البراءة و حسن السريرة، يقابلك بابتسامة عريضة و أحضان دافئة. أفاد العارفون ببواطن الأمور و المطلعون على أدواره الغريبة و الشخصيات التي يتقمصها انه مراوغ كثعلب ماكر ، يمشي مع الضحية و يبدي نصائح مسمومة ثم يقتنصها في لحظة ضعف و طمأنينة بعد إضفاء هالة على دوره الإنساني
بذور الشك
يتحفك بحكايات محبكة الصياغة غنية بالمشاهد غير أنها لا تخلو من مبالغات تبدو طريفة في معظمها أو غريبة الأطوار.لا تملك طريقة لكشف مدى صدقها و أصالتها سيما و أنها في المجمل قد حدثت وراء البحار، و يصعب الوصول إلى الميادين التي سطر فيها بطولاته الدون كيشوتيه أو تلك التي اختلق فيها حكاياته و حبكها بعناية.
سألني ذات مساء عن رأيي في رواياته و تجاربه فأبديت استحسانا بالرغم من وجود ثغرات و خيوط مفقودة و أمور يصعب ابتلاعها ! لما أحس ببذور الشك لدينا أصابه شئ من الارتباك و التوتر و حرك حاجبية كإشارة استفهام يريد مزيدا من الإيضاح.
- كيف حققت أرباحا تقدر بآلاف الدولارات بعد أسبوع من وصولك لجزيرة لا تعرف لغة سكانها و لا طباعهم ولا تمتلك إقامة قانونية تتيح لك حرية التنقل؟
أثار استفساري حفيظته و حاول الهروب من السؤال بقولته الشهيرة" البيع قدح زناد " في محاولة لاختصار الحكاية دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
انتقل كعادته في إثبات الوجود في سرد حكاية جديدة جرت شرق الكاريبي و امتدت فصولها من فور دو فرانس إلى سانت لوسيا في المارتينيك. لم يكن أمامنا خيار سوى أن نهز رؤوسنا
السلحفاة العجوز
كنت أجلس على قارعة الطريق أمام منزلي أتأمل في الطبيعة الخلابة و الأجواء الهادئة .لم تمر دقائق حتى عرج على المكان رجل في أوائل الثمانين، لو لم يعرف بنفسه ما عرفته فقد تغيرت ملامحه عن الزمن الذي كنت أعرفه و أنا فتى ، فقد كان منطلقا يافعا يشار إليه بالبنان حيث كان يتولى وظيفة حكومية مرموقة. رحبت به و لم يطل بنا المقام طويلا حتى بدأ بدون سابق إنذار ينفث سمومه و همومه على الآخرين و نال أقرباؤه حصة الأسد من الشتائم و السباب. قال فيهم ما لم يقله مالك في الخمر. كشف في دقائق الغطاء عن مكنونات نفسه المحطمة التي نخرها الشك و حطمتها الريبة و الحقد بصورة تفتقد إلى اللباقة و الحصافة و الذوق.
تذكر الشاعر زهير عندما قال:
سئمت تكاليف الحياة و من يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
عندما لم أوافقه على فحوى حديثه مذكرا إياه بان المسلم من سلم الناس من لسانه و يده شعر بعدم الارتياح و أنهى حفلة شتائمه ثم اختفى من المشهد بلا استئذان بعد إن افرغ ما في جعبته من أحقاد متراكمة. كان بركانا قد اخرج حممه فهدأ و استكان و مضى كسلحفاة عجوز أصابتها أعراض الشيخوخة.