ثمر نخلتي
نخلتي من نوع (القنطار)، وهو النوع الجيد من النخيل. (والنخيل كلها جيدة وطيبة).
قبل ستة أشهر وبالتحديد في آذار، اشتريت لها لقاحا من السوق، كان أبي
رحمه الله قد علمني أن طلعة الفحل يجب أن تفتح وتضرب عليها بإصبعك، فإن
تناثر منها طحين أبيض فاشتريها؛ ذلك لأن الطحين الأبيض هو الذي يلقح
النخلة، فإن لم تجد فيها طحينا فإنها غير ناضجة أو قد تكون طلعة نخلة
أنثى، ولا تصلح للتلقيح.
فتحت الطلعة التي اشتريتها واستخرجت شماريخها لأضعها في الهواء الطلق،
وإن لم أفعل فستتفرث الشماريخ بعد يومين أو ثلاثة ولا تثبت في طلعة
النخلة.
وانتظرت حتى تفتقت طلعات النخلة واحدة تلو الأخرى، كلما تفتقت طلعة صعدت
فجعلت وسط شماريخها شماريخ من الفحل، ثلاثة أو أربعة أفقيا وواحدا أو
اثنين عموديا، ذلك حتى أطمئن إن اللقاح وصل للطلعة تماما.
وكررت العملية حتى آخر طلعة، وكان تعداد الطلعات 17 طلعة.
وبالتجربة عرفت أن الطلعات التي تطلع من النخلة أولا وتتفتق أولا هي التي
سوف تكون أكبر عذقا وأكثر ثمرا، ولهذا يجب أن تتلقى اهتماما خاصا. فإن هب
ريح يسقط اللقاح من الطلعات أعدته إليها، إن مطرت مطرا وابلا رشيت
الطلعات بقليل من سحيق اللقاح أو أضفت إليها قليلا من شماريخ اللقاح.
وإن فات على عملية اللقاح عشرة أيام فلا حاجة لتكرار اللقاح مرة أخرى.
وبعد أن أصبح الطلع حبيبات خضراء ونسميه في الأهواز (حبابوك)، يجب
تعفيرها بالكبريت، والكبريت سحيق أصفر أشتريه من العطار (بائع التوابل)،
أضعه في الماء لأحصل على محلول أصفر، ثم أضع المحلول في ظرف غسيل أوان
فارغ، ثم أرشه على الحبيبات. هذه المرحلة تقي الثمر من الغبار، والغبار
مرض يصيب الثمر فيفسده. وسببه عنكبوت تبني نسيجا يشبه الغبار على
الحبيبات فيلصق النسيج عليها، ولا يفيده أي علاج بعد ذلك.
وفي الحديقة لدي نخلة أخرى تنالها اليد، اشتريتها من شيخ قال لي إنها
(برحية)، ولكن وبعد أن أثمرت تبين أنها (حلاوية)!
وفي طرف الحديقة برحية أثمرت في العام الماضي ثلاثة عذوق، لكنها لم تثمر هذه السنة!
وفي موسم تحدير أو تدلية العذوق، أي في أواسط حزيران، دليت العذوق
وشددتها بالسعف، وإن تأخرت هذه العملية سوف تؤدي إلى كسر العراجين بعد
أن يثقل حملها.
اخترت عذقين لنجني منهما البسر ثم الرطب، لكن رطب الحلاوية كان حلوا
ولذيذا، وكفانا والحمد لله.
فتبرعت ببسر ورطب العذقين إلى بعض الأصدقاء والأقرباء.
وقد أوصاني بعض الأصدقاء أن ألف العذوق بقماش مشبك يحميها من العصافير،
بيد أني لم أفعل؛ فأخذ العصفور حصته من الرطب والتمر.
وفي الخامس عشر من هذا الشهر أيلول وبعد أن نضج التمر، قصصت العذوق وجنيت
التمور؛ أعطتني النخلة الكبيرة 100 كيلو غراما من التمر.
كان في بعض العذوق بلح لم ينضج بعد، ولا أظنه ينضج فيما بعد؛ ولكنه قليل
لا يتجاوز 10 كيلو غرامات؛ ولذيذ بعض الشيء.
ووجدت بعض الثمر لم يزل رطبا، وعلي أن أفرزه من التمر، ففعلت ووضعته في
إناء، ومقداره 5 كيلو غرامات، وها نحن نأكل منه.
غسلنا التمر في طست لينظف من السموم والأتربة، ملأنا الطست ماء ثم فرغنا
التمر في الطست وفركناه قليلا، ثم أخرجناه وجعلناه في مشاخل ليجف ماؤه.
ولم نبقه أكثر من دقيقة في الماء، ثم فرغنا ماء الطست الذي تغير لونه
وصار ملوثا، فملأناه تارة أخرى وغسلنا ما تبقى من التمر.
وبعد نصف ساعة، فرغنا المشاخل على بساط بلاستيكي وبسطنا التمر في الشمس
ساعتين ليجف من الماء تماما.
ثم أحضرت علب معجون الطماطم الصفيحية الفارغة، غسلناها ونشفناها، فوضعت
التمر فيها وضغطته ضغطا بيديّ حتى لا يبقى بين التمر أي هواء.
وأضافت إليه أم شروق زنجبيلا وسمسما لتصبح نكهته أطيب.
بهذه الطريقة سيكون عندنا تمر طوال السنة.
ولم أر أكرم من النخلة بين الأشجار قط، ولهذا تراني أهتم وأعتني بها خير عناية.
ولا يخفى على أحد أنها رمز من رموز عروبتنا ... رمز مقاوم لا يخضع لطمس
الهوية والتغيير أبدا.
وسوم: العدد 791