من المستشفى (5)
كان الأقرباء والأصدقاء والجيران يعودون أبي في المستشفى، فأشكرهم شكرا كثيرا...
ومنهم من يمكث طويلا مستأنسا بالأحاديث غير آبه بما يقتضيه الحال؛ هذا الطيف من شعبنا هم الذين لم يتصفحوا كتابا واحدا طوال حياتهم، وبعيدون كل البعد عن عالم التواصل!
فتوجيه هؤلاء يقع على عاتق (الملالي) الذين عليهم أن يغيروا نهجهم، وبدل أن يكرروا قضية كربلاء وما جرى على الحسين عليه السلام والتي حفظها الناس عن ظهر قلوبهم، أن يعلموا الناس سلوك الحسين، وأن يعظوهم موعظة حسنة تفيدهم في الدنيا والآخرة.
ما زلنا نصبح أبانا في المستشفى ونمسيه، المستشفى الذي يمضي الأطباء الشباب فترة عسكريتهم في قسم طوارئه، يكسبون تجاربهم الأولى بالعرب الفقراء!
سألت أحدهم ذات مرة، فقال إنه يمضي عسكريته في المناطق المحرومة!
فلك الله يا محمرة، يا محرومة.
وعند الظهيرة وعندما يتوجه ذوو المرضى إلى قسم التسديد، ترى السخط في سيماهم وهم يتشاكون من غلاء أسعار العلاج؟
فهذا يتوسل بالرجاء لعله يحصل على تخفيض، وذاك يرهن أوراق سيارته أو هويته...! وكأنك تعيش في قرية أصابها القحط منذ سبعات السنين!
وتوفي أبي بعد أسبوعين من غيبوبته، و(كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون)... العنكبوت57
ولله ما منح ولله ما استعاد، والحمد لله على كل حال.
عقدنا جلسة نحن الأخوة الأربعة واقترحت عليهم أن نستقبل المعزين بالشاي والقهوة دون الطعام، وأن نتبرع بمبلغ الطعام إلى الفقراء والمساكين، أو إلى المؤسسات الثقافية؛ خالفنا أخونا الكبير، ولم يجد إصرارنا جدوى، فأذعنا له شرط أن لا يطول مجلس العزاء أكثر من نصف يوم.
وشيعنا أبي دون أن نرفع بيرقا قبليا، أو أن نطلق رصاصة نزعج بها أحدا، أو نثير ضجيجا بمكبرات الصوت.
وأودعناه في مثواه الأخير في أقرب مقبرة طبقا لوصيته.
وحاولنا قدر المستطاع أن نبتعد عن كل أمر لا يمت إلى الإسلام بصلة، وأخص العادات الدخيلة علينا كارتداء السواد والبكاء والعويل.
وهل لنا اعتراض على أمر الله؟!
وسوم: العدد 793