في الطريق إلى صلاة الفجر
..وقرب المسجد
رأس جزيرة بين شارعين على مفترق طرق يتوسطه عمود إنارة ..
تحته تتناثر حبيبات وفتيتات خبز وبقايا أطعمة ينثرها أهالي البيوت
المجاورة للمسجد ..
قطة جالسة متكورة على نفسها ، مستمتعة مستأنسة بمن يمرّ من حولها
ولاتبالي بأي أحد منهم .. لقد تعبت من البحث عن طعامها بين أكياس القمامة
طول ساعات الليل ، وهاهي ترقب الآن بنصف عين منها أسراب النمل
في غدوهم ورواحهم ، و في عجالتهم المعهودة ، ينهلون ما استطاعوا أن
يأخذوه من وجبتهم الفاخرة ، وبغريزتها تعرف أن كلا الجنسين لاقبل لها
بهم ، سواء كان النمل أو الحبوب أوالفتات ، فكلا منهما لا يشكلان طعاما ولا
خطرعلى نفسها ..!
علقت كلاليب الأرجل الخلفية لقائد استطلاع أسراب النمل بإحدى شعرات
شارب القطة المتدلية على الأرض ،وهو يحث عماله بالعجلة قبل أن تستنفر
الطيور وتنزل من أوكارها ، فاستيقظت القطة منزعجة ، ونفضته بها وكأنه
سوط على ظهره ، فابتعد عنها هارباً ..!
إذاً فما الذي يجبرك أيتها القطة الأليفة على المكوث في هذا المفترق الواسع
وماتبقى غير سويعة ، ويبدأ الإنسان يشغل الدنيا حركة وضجيجاً ، وحينها
تضيق بك هذه الدنيا ولا تجدين مؤى تنامين فيه ..؟!
والبشر في هذا الوقت كذلك ، وبحركة المارة والمركبات البطيئة والقليلة ،لا
همّ لهم بهؤلاء جميعاً لابالقطة ولا بالنمل ، فهما يمثلان حالة إطمئنان طبيعي،
ولعل هذا هو سر انحسارهم وانكفافهم في الليل ليتركوا خشاش الأرض
وكفافها لهؤلاء ومن مثلهم ، إنها ساعة تبديل مناوبة وتبادل المهام ، بين
أجناس الخليقة ، ساعة يفرق فيها كل شيئ .. !
وصدحت الأصوات من مآذن المساجد ، قاطعة دقائق هذا الترقب
المذهل من كل خلائق هذا الكون .. !!
- السلام عليكم ورحمة الله .. السلام عليكم ورحمة الله
انسايت بضع زقزقات ناعمة من الشجرة الكبيرة من البيت المجاور للمسجد ، كان
فيها عش أسرة لعصفورالدوري ، بدأت الأم تنفض ريش جناحيها فاستفاق أحد
فراخها يصرخ ، أسرعت وغطته فعاد إليه الدفء وسكت ، إلاّ أن الأب كان متخذاً
زاوية غصن غليظ مغطى بأوراق كثيفة ، على بعد من العش مكاناً آمنا ومتوارياً
ينام فيه ، وكأنه مكاناً للمراقبة والحراسة ، لما سمع صوت أحد فراخه ، استيقظ
منتفضاً وسأل الأم عن سبب صراخه المبكر ..؟ إلاّ أنها نهرته وقالت له :
- اخفض صوتك أولاً حتى لا توقظهم ، ثم أنك كنت تشخر فما الذي
جرى لك .. والآن تسأل لم يصرخ ..؟ ألا تعلم أننا نمنا مبكرين والليل طويل ،
وماكان بحوصلتي بالكاد أسكت جوع الثلاثة ، إن ذلك القط لازال متربصاً ، بنا
جانب العمود في مكانه منذ مغرب الأمس ، انظر إليه إنه يرقبنا ، وهو يتظاهر
بالنوم ، لقد حرم الأولاد من عشائهم .. !!
نعم ..نعم .. أجابها الأب : وأكمل بصوت منخفض :
- لقد أتعبني هذا القط في الأمس ، فقد ناورته عدة مرات ، فلم أفلح
بزحزته ، حتى أن حمامة هبطت لتلتقط عشاءها فباغتها ، وقد ظننت أنني
المقصود من هجمته ، فضربت الأرض بقوة بجناحي لأهرب ، فانتبهت هي
الأخرى لتفلت منه باللحظة الأخيرة وتطير ..
- وما العمل الآن .. ؟ سألته الأم
- لاحيلة لنا إلاّ أن نذهب لأمكنة أبعد ونجلب طعام الإفطار للأولاد
قبل أن يستيقظوا وقد فتك بهم الجوع ..أو ننتظر حتى ترتفع الشمس وترسل
حرارتها فيهرب القط منها من تلقاء نفسه لأنه لايتحملها..!!
- سيمضي وقت طويل على ذلك في كلا الحالتين ..؟! أجابت الأم
- إذاً سأنزل إليه وأجازف لعلي أحصل على القليل من كومة ذلك
الحب وفتات الخبز الوفير..!
- لا .. لا أجابت الأم :
سنذهب سوية ، أنت من جهة ، وأنا من جهة ، فنشتت انتباهه ، وربما تاتي
حمامة كذلك جائعة فنتعاون عليه ..!
- إذا هيا انسلي بهدوء من العش ، ولنبدأ على بركة الله ، لقد جفّت
حواصلنا فأصبحت خماصى ، إن النهار سبح لنا ..!!
وسوم: العدد 844