هلوسات
جسدي الفاني، ذاكرتي الهشّة، روحي اللعينة الدائمة، اسمي العتيق...أشيائي الأخرى كلها تزعجني، حساسيتي المفرطة، عيناي اللتان تلاحظان كل شيء ولا تستقران في حركة دائمة هما، نبضات رأسي من الجانبين، حرارة أذنيّ، حشرجة أنفاسي ... بدأت أشعر بالدوار، عيناي تدوران وتدوران وتدوران، حاضرة أنا وغائبة، قريبة وبعيدة ...أنا في اللامكان، ربما أنا في المنتصف اللعين، أشعر بأنّني مبتورة موزعة الأشلاء... تجدني في كل شيء وفي اللاشيء وعاجزة عن إيجاد نفسي، عاجزة عن أن أكون أي شيء، ضائعة تائهة فاشلة ربما ... الدوار يشتد بي مجددا... أرى الجدران تقترب من بعضها البعض في محاولة لمعانقة بعضها، وانا في المنتصف حتما سألتصق في هذه الجدران المسكونة، حتما سأموت ... تكوّرت على نفسي وأغمضت عينيّ.. واحد،اثنان، ثلاثة، وأربعة، فتحت عينيّ... لا شيء لا جدران لا مكان، فقط أنا ويد ناعمة تتحسّس صدري وتصل إلى عنقي وتحكم قبضتها... أهذي أنا، أهلوس، أجلس وأقف أبكي وأضحك، أختنق تارة وأخرى أتنفس، أشهق وأزفر، أتحرك وأسكن ومن ثم أستسلم ،أستسلم وأشعر باللاشيء سوى شعوري بأن ّهذه اليد طرحتني أرضا، مجددا تسرّب الهواء اللعين إلى صدري، لقد ظننت أنها النهاية، ويا ليتها كانت كذلك، تسربت موسيقى إلى أذنيّ، بعدها شعرت بحركة إحداهنّ، لقد كانت ترقص حولي تتمايل ثملى، تقهقه بصوت ساخر ومغرٍ للحياه، أظنّها تقيم طقوسا لعينة لا علم لي بها ...بقيت أرضا، فقط رفعت رأسي وتبعت عيناي حركات خصرها وزنارها، اشتدت الموسيقى وزادت حماسة وبدأت تشتد هي بالحركه اشتدت واشتدت واشتدت الموسيقى لأعلى حدّ، وأصبحت هي تتحرك بسرعة رهيبة، ولم تعد عيناي تستطيع اتباعها، لقد أثارت الغبار من حولي وباغتتني فجأه بعينيها اللوزيتينِ، ووضعت وجهها أمام وجهي وقالت: أنت لعنة المساكين، لم أكترث لشيء، لا أظن أنّه هناك أسوأ من هلوساتي هذه إذا عشتها واقعا... قلت: ومن أنت، وماذا تريدين؟ أين وأنا؟ والى أين سأصل؟ قاطعتني وقالت: أنا ملهمتك، أنا نبضك وخوفك وحرفك وثملك وصحوك، انا منجيتك وقاتلتك، انا ناي وكمان وعود عتيق، أنا عامود رخام وزهرة ياسمين تسلقتك، وندى سقط على جبين الزهور، أنا مهلكتك حتما أو منقذتك أنت تختارين من أكون أنا، وضعت كفها أمام فمها ونفخت في وجهي غُبارا أزرق، شهقت أنا وشعرت بروح جديده تدخلني ووقفت بقوّة، وكأن تعباً لم يكن فيَّ، وعادت الموسيقي وبدأت أرقص أنا ...إنها بداخلي لقد استوطنتني ...بدأت أضرب نفسي في كل الرخام الذي ظهر فجأه حولي، قطرات دمي تعلق على تلك الجدران وأنا أضرب نفسي ...إلى أن قذفتها خارجي، رأيتها ماثلة أمامي بجسد آدمي، كم تبدو فاتنة، ملأتُ صدري بالهواء وأغمضتُ عينيّ، ركزت في العودة إلى نفسي أو على الأقل في العودة إلى ذاك المكان الأول الذي أظنه غرفتي اللعينة، أنفاسها تقترب مني أشعر بها، فتحت عينيّ لأجد أنها ليست هنا، وأجد نفسي في مكاني الأول، نعم إنّها غرفتي ولكنها بلا سقف، ومن ثم أظلمت الغرفة، وتكونت سحاة تعلوها ظهر من خلالها وجه من لا أعرف اسمها وقالت: سأعود لك ليلا سيكون الوقت شيقّا، فتحت عينيّ بقوة، وعدت من صدمتي وهلوستي على طرقات الباب وصوت أمي تقول: كفاك نوم استيقظي وصلي الفجر.
وسوم: العدد 851