رحيل بطل

انتصار عابد بكري

ربما لم يكن بطل لكن اسمحوا لي أن أعرضه كبطل ، فلم يكن هناك شيء يبتسم لا ولا الزهر ، ولكن الحجر كان يبكي والسماء .

عندما نعى المنادي علاءً والناس نياما ، استيقظ كل شيء وطارت العصافير تبحث عن دفء.

هذا البطل لم يكن مريضا ولم يصاب بحادث طرق فما الخبر؟

تلك الليلة المشئومة كان بين اخوانه ، ربما بعث إليه والديه هناك في العالم الآخر مرسالا ولبّى لهم الدعوة سريعا ، قبل أن يبني بيتا وقبل أن يصبح له أطفالا مثل أترابه .

لقد عاش علاء بدون أهل يحموه من غدر الزمان وهموم الدنيا ، فأمه ودّعّها في السادسة من عمره وأبيه في الثانية عشر . وقد اخترط في مجتمع ظالم لا يحيطه سوى اشخاص كانت نهاياتهم السجون ما بين مشاكل وشجارات .

أخوه الكبير من أبيه فر هاربا من زوجة أبيه منذ سنين بعيدة إلى وطن غير وطنه ، درس وعمل محاضرا في جامعة بريطانية وهناك أسس عائلة ونادى أطفاله بأسماء عربية حتى اليوم لم يفكر بالعودة . طالما طلب من اخيه علاء أن يلحق به ليعمل ويسكن معه هناك . إلى أن القدر كان أسرع لقد هاجر علاء من العالم كله وبقت ذكراه في قلوب قليلة

وحكاية تتناقلها الألسن في القرية الصغيرة.

هذا العملاق ، صاحب الوجه البشوش كانت تلفه الكثير من الخصائل الطيبة ، فهو لم ينتهك حرمات البيوت واذا تواجد حرص على منع حدوث المشاكل فلا تصدق أنه فعلا هو نفس الشخص الذي قضى سنينا من عمره في السجون يحب الناس جميعا ،خدوم يتسابق الأطفال للهو من حوله يداعبهم ويرسم الابتسامة على شفاههم، أما جاره العجوز فقد تنبأ نهايته على عكس الواقع الأخير فيقول له دائما "انك ستموت قتلا ".

لكن ما الخبر ؟!!

عندما جاء الهدى والرشد رفضه عالمه الإجرامي السابق ... سرعان ما خططوا لوضع حدا لحياته ، ترقبوه ليلا ومن بين أصدقائه تناولوه قتيلا بالرصاص .

هذا العملاق الذي مد يد العون للمحتاج والفقير ، للقريب والغريب للصديق والعدو ودافع عن الضعفاء يوما أصبح جثة هامدة . دمه في الأرض وروحه في السماء وجسده الذائب في التربة المجاورة .

أخته الوحيدة تبكي آخرا وما أغلى الأخ عندما يرحل يشد الأنين والأم آخ آخ – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.