رئيسٌ إلى الأبد
أصوات الصخب تعلو في أزقّة (حارة الفارابي)، ورؤوس الناس بدأت تُطِلّ من نوافذ البيوت وشُرُفاتها، لمعرفة حقيقة ما يجري من هتافاتٍ وشتائم يُطلقها عشرات الشباب الغاضبين، لحثّ الناس على التوجّه إلى مدرسة الحيّ وانتخاب المرشَّح الوحيد باسم الحزب الوحيد في البلاد: السيد الرئيس منذ ثلاثين عاماً!.. الشباب الهائجون يهتفون:
- انتخاب.. انتخاب.. قوموا انتخبوا.. قوموا انتخبوا!..
قال (أبو جميل) وهو يغادر شرفة بيته داخلاً إلى غرفة نومه:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، وهل الانتخاب بالغصب والإجبار؟!..
لم يكد يُنهي كلامَه، حتى انطلقت أصوات ارتطام الحجارة بأبواب البيوت ونوافذها، بينما الضوضاء مستمرّة:
- قوموا انتخبوا.. قوموا انتخبوا!..
خرج بعض أبناء الحيّ من بيوتهم، لزجر الشباب الصاخبين، ولمنعهم من ارتكاب حماقاتهم وعدوانهم على الناس وممتلكاتهم.. ووقعت اشتباكات بالأيدي والعصي هنا وهناك، وكانت النتيجة: جَرْحَ العشرات، من الطرفين.. مع إطلاق التهديدات المختلفة لكل مَن يمتنع عن القيام بواجبه (الوطنيّ)، بانتخاب الرئيس المرشَّح الوحيد، لفترةٍ رئاسيةٍ سادسة!..
كانت المدرسة التي تَقَرَّر أن تكون مركزاً انتخابياً.. فارغةً إلا من ثلاثة موظَّفين، وعشرين حارساً عسكرياً. حين أُجبِرَ (أبو عبده) على الدخول إلى المدرسة للقيام بواجبه (الوطنيّ).. لم يعثروا على بطاقته الانتخابية.. فلما سأل عنها، أجابه رئيس الموظَّفين المحاط بخمسةٍ من رجال الحراسة المُدَجَّجين، مُشيراً بسبّابته اليسرى إلى صندوق الانتخاب:
- بطاقتكَ صارت في هذا الصندوق، لأنك تأخّرت، وأوشك الوقت على الانتهاء، وكان لا بد أن تنتخبَ يا عزيزي، ونحن نعلم أنك موافق على اختيار السيد الرئيس رئيساً للبلاد، أليس كذلك؟!..
- أبو عبده متلعثماً: أجل.. نعم.. حسناً فعلتم.. خيراً فعلتم.. ومَن لنا في هذا الوطن الغالي غير السيد الرئيس الأغلى.. رئيساً أميناً، وزعيماً تاريخياً، وقائداً فذاً، وبطلاً عبقرياً؟!..
في نشرة الأخبار المسائية المصوَّرة الأخيرة، شاهد الناسُ الرئيسَ وهو يخطب بحشدٍ قَدِمَ إلى قصره لتهنئته قبل شهر:
- من أجلكم، ونزولاً عند رغبتكم، وعلى الرغم من الأعباء الثقيلة التي ألقيتموها على كاهلي، وإرضاءً لرجاءات أبناء شعبي وتوسّلاتهم.. أرشِّح نفسي مرةً سادسة، لحمل الأمانة الثقيلة، تَخفيفاً عن شعبي وحزبي وأمّتي!.. وتابع الرئيس المرشَّح الوحيد:
- لا تقلقوا.. فقد وهبتُ نفسي لخدمتكم.. واطمئنّوا، فسأكون عند حسن ظنّكم يوم ستختارونني كذلك، مُرَشَّحاً لفترةٍ رئاسيةٍ سابعةٍ قادمة.. وسأبقى أخدمكم.. سألبّي رغبتَكم بعد سبع سنواتٍ أيضاً.. رغبتكم الغالية!..
وسوم: العدد 923