من لطائف ريحانة الشام وشيخ مشايخها الشيخ أحمد الحبال الرفاعي
رضي الله عنه وأرضاه ..
آمين وجميع الصالحين.
- زاره شخص مريض بالديسك
لا يقوى على الوقوف من شدة الألم ..
ولم يكن الطب في تلك الأيام كحاله اليوم إذ كانت عملية الديسك من أخطر الجراحات ونتائجها غير مُرضية فهي تحتاج أولاً لإبرة ظليلية تؤخذ في النخاع الشوكي وربما تنجح .. وفي الأغلب تؤدي للشلل فضلاً عن تكلفتها الباهظة ..
نسأل الله السلامة ..
فقال له الشيخ : خير بابا شبك ؟!!
شو صاير معك ؟؟!
شايفك محني طاقين !!!!
*والله يا مولانا أنا عتال على باب الله ..
أحمل حاجيات الناس من برادات وغسالات وغير ذلك!!!
لأطعم عيالي ... فصار معي ديسك من هالمصلحة
ولازمني عمل جراحي ..
وما معي أجرة العملية ولابقدر أقعد بعد العملية للنقاهة .. هاد إن نجحت يا سيدي ..
دخيلك دلوني عليك أهل الخير .. شو بتنصحني .!!؟؟؟
أطرق الشيخ أحمد وهمهم بدعاء ..
وقد ذرفت الدموع من عينيه ...
يابا !! بتعرف سوق النحاسين ؟؟؟
*نعم سيدي يلي بالعمارة مصلبة امتداد لسوق الهال القديم ...
تمام هادا هو ... بتروح لهنيك .. وبتدخل محل محل ...
وكل محل بتوقف عالباب وبتقول !!
السلام عليكم ، الله يعطيك العافية ..
وبتروح للمحل التاني وهكذا حتى تنتهي من كل المحلات ..
وبعدين بترجع لعندي لأعطيك الدوا ...
*أمرك سيدي !!
و انصرف الرجل يتحامل على ألمه وفي رأسه عدة أسئلة بدون إجابات ؟؟؟
إلا ان قلبه مطمئن لِما سيفعل .. ففطرته سليمة ...
وصَدّق الشيخ ونظراته المشفقة الحانية ..
ودموعه الصادقة حالوا بين الرجل وبين وسوسة الشياطين ..
وصل الرجل بعد جهد جهيد إلى سوق النحاسين وقت الضحى !!! وقف بباب أول محل ..
وكان المعلم يطرق بالمطرقة على الحديد الذي تُمسِك به الملزمة ليطوعه بالطرق ليصيره بالشكل الذي يريد بعدما أخرجه من النار مرتفعة الحرارة !!!
عمل شاق وجهد جبار وعرق يسيل من الجباه مع حرارة الحديد وثقل المطرقة .. كل ذلك والرجل يرى ويتساءل في نفسه كم في هذه الأعمال من المشقات ؟!!
وهذا الرجل ليس بأفضل حال مني !! حقاً إن الحلال لعزيز ...
السلام عليكم الله يعطيك العافية!!!
ابتداءً لم يَسمع المعلم من صخب فرن النار وطرق المطرقة ..
فأشار المريض رافعاً يده بالسلام فانتبه المعلم !!
وأوقف الطرق خير أخي؟؟؟
*السلام عليكم الله يعطيك العافية ..
وعليكم السلام ربي يعافيك ..
نعم ربي يعافيك !!
قالها وقد خرجت من صميم فؤاده !!!! وهو يكده العرق ويعركه الجهد وقد رأى من ضعف الرجل ما رأى ..
حال ولا أصدق !!
شعر المريض بأن هذه الدعوة كانت بمثابة إبرة مسكن فخف الألم قليلاً ...
ثم بدأ بالمحل الثاني فالثالت والرابع .. إلى أن أنهى جميع محلات سوق النحاسين على الصفين وأظنها ستين محلاً !!!
لكن النهفة عند آخر محل وقد دخل وقت أذان الظهر ..
سلّم على العمال وقال يعطيكم العافية
فحسبوه زبوناً يريد أن يوصيهم على قاظان أو ..
لكن الرجل لاحظ أنه يقف وقفة الإنسان الصحيح وأن الألم قد اختفى تماماً...!!!
فصار ينحني ويعتدل .. ويقوم بالانحناء يمنة ويسرة وكأنه في صالة رياضية ...
فأثار عجب المعلم وعماله !!؟؟؟
شبك أخي عمترقص ؟؟!!!
شايفنا فاضيين ؟!!!!!
* لاوالله يا أخي ... قصتي كيت وكيت ..
وحكى قصته للمعلم ..
وكان الأخير من أحباب مولانا الشيخ أحمد فضحك من طيبة الرجل .. وصب له الشاي .. ثم حمَّله كيس فيه أمانة ليوصلها للشيخ أحمد كونه ذاهب إليه ..
وعندما وصل الرجل للشيخ أحمد كان الشيخ قد أنهى صلاة الظهر وشرع بقراءة أوراده ...
*السلام عليكم سيدنا !!!
وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته ..
استقبله الشيخ هاشاً باشاً فرحاً بشفائه فخاطبه مازحاً ...
شو شايفك طبت وصار بدك جوازة تانية..؟
*الحمدلله يا سيدي ..
هاد بفضل الله ثم ببركة دعائكم ..!!
يابا هاد بفضل الله وبركة دعاء التّعيبة ..
*أي نعم يا سيدي ربي يجزيك ويجزيهم الخير ..
شيخي هي رجعت متل ما أمرتني
وين الدوا يلي قلتلي عليه ؟؟؟
ليكو بإيدك بالكيس .. ولم يكن الرجل قد أخبر الشيخ بماجرى مع المعلم الذي أعطاه الأمانة ..
فتح الكيس فوجد فيه مبلغاً قيماً من المال .. مئتي ألف ليرة سورية ( في ذلك الوقت ) !!!!
وهنا بكى الرجل ..
شبك بابا !؟
قديش هدول مو ميتين !؟؟
*اي نعم سيدي ميتين ..
خدهم وافتحلك محل كول منو إنت وعيالك وغيّر مصلحة العتالة .. روح ربي يفتحلك أبواب الرزق ...
انصرف الرجل فرحاً باكياً حامداً شاكراً بمشاعر مختلطة .
فسأل الشيخَ من حضر هذه الحادثة ..؟!!
سيدي شو اللي صار !!؟؟
فأجابه الشيخ
يابا ألم تسمع قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال :
[[ والله لا أحمل هم الإجابة بل أحمل هم الدعاء ]]
شوف كم واحد دعى له من قلبه ..
الله يعافيك .. الله يعافيك
وكلهم تعيبة عميسعوا بحاجة عيالهم بالحلال والعرق والجهد والتعب ...
كيف ربي ما بدو بيستجيب دعاهم ويعافيه.!!؟؟؟
الدعاء بدو جهد يا بابا
الدعاء بدو تعب
بدو قلب حاضر مع الله
بدو همة وشفقة عالناس
بدو لسان صادق ونَفَس طاهر
حتى يستجيب القريب المجيب
فيعطي المعطي الوهاب
ويشفي المشافي المعافي
(( الدعاء سلاح المؤمن .. الدعاء مخ العبادة .. وفي رواية هو العبادة ))
وسوم: العدد 928