عكا... عاشقة البحر
حسين راتب أبو نبعة
جامعة الملك عبد العزيز
كلية المعلمين بمحافظة جدة
لا بد من الشعور و أنت تتمشى فوق أسوار عكا و ترى المدافع القديمة المصوبة نحو البحر .أنك تقلب صفحات التاريخ المشرق لمدينة الجزار و تستعيد ذكريات الماضي التليد.تسير الهوينى في المدينة العتيقة فتنتشي روحك بعبق الماضي و تختنق بمنغصات الحاضر و تحلم بتطلعات الغد الآتي. انها مدينة عربية كنعانية بامتياز، و يشهد على ذلك بناياتها العتيقة و مساجدها و كنائسها.
مرت على المدينة عبر القرون جحافل الغزاة من إغريق و رومان و فرس و فرنجة ، غير إن المدينة ما زالت تعانق البحر بانتشاء. هزمت ذات يوم كليبر القائد الفرنسي بعد حصار زاد عن شهرين فعاد نابليون يجر أذيال الخيبة عندما لم تسعفه مدافعه في قهر المدينة.
في اليوم السابع عشر من شهر أيار 1948تمكن غزاة جدد من احتلالها ، حاولوا تغيير التاريخ ووضعوا أسماء غريبة على بعض شوارعها و ضيقوا على سكانها العرب بلا جدوى فقد عادت المدينة للحياة كطائر الفينيق و تجدد شبابها و ما زال نداء الله اكبر يرتفع من جامع الجزار بنبرة فيها الصبر و التحدي.
تأخذك رحلة قصيرة في احد القوارب على مقربة من أسوارها، يعانق رذاذ الموج زائري المدينة كأنه يبعث بتحية على طريقته. وشوشات الموج تبهجك و تشعرك أن المدينة تحب العاشقين و تمقت الغزاة الطامعين. تبهرك زرقة مياه المتوسط و تشعر بان البحر مميز بلونه و مائه و يختلف عن بقية البحار التي شاهدتها.
على أنغام الموسيقى المنبعثة من القارب تتذكر بإجلال كبار الأدباء الذين ولدوا في هذه المدينة أمثال القاص غسان كنفاني و سميرة عزام و آخرون و تدرك إن جمال المدينة وراء مخزون إبداعاتهم في صنوف الأدب. في يوم زيارتك المدينة الذي صادف الثلاثاء تتذكر قصيدة الشاعر إبراهيم طوقان "الثلاثاء الحمراء" التي قيلت تخليدا لذكرى إعدام الشهداء الثلاثة أبطال البراق: محمد جمجوم و فؤاد حجازي و عطا الزير في سجن القلعة في السادس عشر من حزيران عام 1930
انتهى موعد الزيارة و تشتعل لديك رغبة في زيارة أخرى لهذه المدينة التي بلا مبالغة من أجمل المدن الساحلية التي يتعانق فيها التاريخ مع الحاضر و يتداخل في فؤادك الحزن و الفرح و الأمل.
عمان- الاردن