هوية .... غير مثــقوبــة
عبد الرحيم عبد الرحمن منصور
يحنج علي صاحبي في بلد الغربة وبقول: مالي أراك كئيبا حزينا كاسف البال على الدوام ؟ ما بك .. هل أنت مريض.. هل تعاني من أمر سيء ,,, لا سمح الله ؟؟
قلت وقد سنحت لي الفرصة لأفرغ من أعماقي بعض شحنات القهر التي أختزنها منذ عام (1980) بل من فبل ذلك بكثير..
لم يخطر ببالي ـــيا صاحبي ـــ أو ببال أحد من المواطنين أن يتشرف يوما بأن يكون تزيلا في أحد الأفرع الأمنية التي يفوق عددها في بلدي على عدد المدارس ويربو كثيرا على عددا لمخابز ومع ذلك فقد حدث لي هذا الأمر زرت جميع الأفرع الأمنية وأوكار المخابرات بالتوالي وعلى مدى سنتين كاملتين .
تقول لي : ماذا فعلت ؟ ما السبب في هذا التشريف ؟ أقول لك صادقا : لا أدري !! ولكنهم لا يعد مون حجة مهما كانت واهية لاستقبالك مكرها أو لجرك من بيتك ومن بين أبنائك ليلا بقوة الإرهاب والقمع لتكون كرة تتقاذفك أرجلهم المدججة بأبواط ( جمع بوط) عسكرية أنيقة .
أعود بك إلى البداية لتعلم أن ما يحدث في بلدي سورية ا لآن لم يكن وليد آذار 2011 بل إنه كان متزامنا مع بداية ظهور هؤلاء العسكر النكرة في سدة الحكم والتسلط .
قد تسخر مني يا صاحبي وتحتج علي وتقول: أنا أزور سوريا وأطوف في شوارعها وأسواقها ومتنزهاتها و... ولا أجد شيئامما تقول !!
أقول : ذلك لأنك زائر فقط .. زائر لأيام أو أسابيع تنفق أموالك هنا وهناك ثم تعود إلى بلدك ولا تشعر بالزيف الذي يعيشه الناس المساكين.
فأنا مثلا مواطن ( منتوف الريش ) ( مقصوص الجناح ) كنت أعيش حالة من الرفاهية الزائدة الفريدة الزائفة التي لم تستطع روحي استيعابها ولم يقو جسمي الهزيل على تحملها نعم رفاهية زائدة !!!
كنت أحدث صاحبي بمثل هذا الكلام منتظرا منه أن يعلق على قولي أو يستنكر استرسالي في الوصف لكنه لم يزد على رفع حاجبيه إلى أقصى درجة تعجبا دون أن ينسى فتح فمه استغرابا .
قلت يا صاحبي في إحدى ليالي شهر آذار الباردة من عام" 1980"طرق بابي بعد منتصف الليل زوار مدججين بالسلاح وبلباس الميدان الكامل وكأنهم في جبهة حرب وانتزعوني من بين أولادي واقتادوني إلى سيدهم الذي اتخذ له مقرا في إحدى الدوائر الحكومية بعد احتلالها بسهولة ويسر .
وتعلم ــ يــا صــاحــبـي ــ أنه في بداية عام (1980) وحتى نهاية عام (1982 )حدثت انتفاضة شعبية عارمة عمت المناطق والبلدان السورية كلها احتجاجا على الفساد والقمع وطبعا (على الرفاهية الزائدة ) وقمعها ( حكيم العرب )حافظ الأسد بكل قوة وشراسة بعد أن اتهم بها جماعة معينة وشريحة واسعة من الشعب هي جماعة ( الإخوان المسلمون )وذلك ليسهل عليه القمع ويسهل عليه توجيه التهم واعتبر ـــ كل من لم يؤيد النظام مهدور الدم وأنه من جماعة الإخوان المسلمين ـــ وتم اعتقاله وتعذيبه وتصفيته في الأقبية الأمنية وتوج أعماله البطولية هذه بمجزرة مدينة( حماه ) التي استمرت حوالي خمسة وعشرين يوما وراح ضحيتها ما يزيد على الخمسين ألف ذبيح وإزالة أحياء بأكملها من الوجود .
أراك يا صاحبي تريد أن تسأل: أين أنا من كل هذا ؟ولماذا تم اعتقالي ؟
أقول لك ببساطة : لأني لم أكن حزبيا( بعثي) ولم يظهر مني أي تأييد للنظام مثلي مثل الكثيرين من المواطنين العاديين ..
وبهذا أكون ـــ حسب المعادلة السابقة ـــ من الإخوان ومن المعادين للنظام وبدأ معي التحقيق ليس بسؤال ولا بانتظار جواب إنما بالضرب والركل على ظهري ووجهي بأخمص البندقية وبقوة وعنف حتى انكسر فكي من أربعة أماكن وملأت أسناني جوف فمي وهي لاتزال معلقة بالجلد ثم طرحني أرضا وأخذ يدوسني على وجهي
بقدمه ويهوي على ظهري بأخمص بندقيته يريد كسر عظامي وما زال على هذه الحالة حتى مل وتعب
وأنا مستسلم لقدري متمترس بالدعاء والابتهال إلى الله عز وجل .
أراك تريد أن تسأل عن التهمة التي لبستني !؟ قال نعم ماهي التهمة التي وجهها إليك !؟
قلت : سأخبرك ولكن بالله عليك لا تضحك .
بعد أن تأكد أنه نال مني ما يشتهيه صرخ في وجهي قائلا : ( ولا ليش ما نك منتخب الرئيس )
قلت له :0 انتخبتو سيدي انتخبتو )
قال : ( كذاب هاي هويتك ما هي مثقوبة ) ( لو كنت انتخبتو للرئيس بتكون هويتك مثقوبة !!)
عندها أسقط في يدي فقد كانت هويتي فعلا غير مثقوبة على خلاف كل مكونات الوطن التي تم ثقبها بفخر واقتدار سلطوي بغيض
وفي الصباح اقتادوني إلى قرع المخابرات العسكرية لتثبيت التهمة واستكمال التحقيق .
ولكنهم لم يستطيعوا أن يتموا معي التحقيق لأني لا أملك فما سليما أتكلم منه .. وهكذا بقيت هويتي غير مثقوبة .