شُرْفـَةْ..
محسن عبد المعطي عبد ربه
كَانْ يَا مَا كَانَ فِي سَالِفِ الـْعَصْرِ وَالأَوَانِ طِفـْلٌ يَتِيمٌ تـُنـَاكِفـُهُ الظـُّرُوفُ وَتـُعَانـِدُهُ الأَيَّامُ وَيُحْزِنـُهُ كُلُّ شَيْء ٍ فـِي الـْوُجُودِ فـَهُوَ يَسْمَعُ وَيَرَى ظـُلـْمَ النـَّاسِ لِلنـَّاسِ بَلْ ظـُلـْمَ الدُّوَل ِالـْقَوِيَّةِ لِلدُّوَل ِالضَعِيفـَةِ, وَكَانَ هَذَا الطـِّفـْلُ الـْيَتِيمُ اسْمُهُ (وَصُوفُ) ,وَكَانَ لـَهُ عَمٌ جَشِعٌ وَطـَمَّاعٌ اِسْتـَوْلـَى عَلَى أَرْضِهِ وَمَالِهِ وَأَخَذَ يُنـَازِعُهُ عَلَى كـُلِّ شِبـْرٍ فِي الدَّارِ حَتـَّى أَجْبـَرَهُ عَلـَى الـْخُرُوجِ مِنَ الدَّارِ حَزِيناً بـَاكِياً ,دُمُوعُهُ عَلـَى خَدِّهِ وَمَشَى (وَصُوفُ) حَتـَّى أَنـْهَكَهُ التـَّعَبُ وَجَلـَسَ يَقـُولُ:"يَا رَبِّ سَلـَبـَنـِي عَمِّي حَقـِّي وَأَخَذَ أَمْوَالَ أَبِي,بـِحَقـِّكَ يَا ذا الـْمُلـْكِ وَ الـْمَلـَكـُوتِ وَالـْعِزَّةِ وَالـْجَبَرُوتِ إِلاَّ تـَنـْصُرَنـِّي عَلـَى عَمِّي وتـُرْجِعَ لِي أَمْوَالِي الـَّتـِي سَلـَبـَهَا مِنْ رُوحِي وَدَمِي "وَبـَيْنـَمَا هُوَ تـَحْتَ الـشَّجَرَةِ,يَدْعُو صَاحِبَ الـْمُلـْكِ وَالـْقـُدْرَةِ,إذَا بِرَجُلٍ يُلـْقِي عَلـَيْهِ السَّلاَمَ فـَرَدَّ عَلـَيْهِ (وَصُوفُ) التـَّحِيَّةَ بـِإِجْلاَلٍ وَاحْتـِرَامٍ وَقـَالَ لـَهُ الرَّجُلُ :"شَدَّتـْنـِي جِلـْسَـتـُكَ وَحِيداً وَكـُنـْتُ أَمْشِي حَزِيناً شَرِيداً وَكـَأَنَّ الأَحْزَانَ تـَتـَلاَقـَى وَتـَجْمَعُ أَصْحَابـَهَا عَلَى دَرْبٍ وَاحِدٍ وَمَصِيرٍ مُشْتـَرَكٍ" فـَقـَالَ لـَهُ (وَصُوفُ):"أَمَّا أَنـَا, وَحْدِي أَنا, يَتِيمٌ سُلِبـَتْ أَمْوَالـُهُ,وَأُخِذَتْ أَطـْيَانـُهُ وَأُجْبـِرَ عَلَى تـَرْكِ بـَيْتـِهِ,فـَمَا قِصَّتـُكَ أنـْتَ يَا عَمِّي؟!" فـَقـَالَ لـَهُ الرَّجُلُ:" أَنـَا مِثـْلـُكَ فِي حُزْنـِكَ يَا وَلـَدِي,وَاسْمَحْ لِي أَنْ أُنَادِيَكَ بـِهَذِهِ الـْكَلِمَةِ الـْحَبـِيبـَةِ إِلَى نـَفـْسِي, فـَأَنـَا يَا بُنـَيَّ مَحْرُومٌ مِنَ الـْخِلـْفـَةِ وَمِنَ الأَوْلادِ قـَالَ وَصُوفُ:"اِسْتـَغْفـِرِ اللهَ يَا أَبـِي فـَلِلـَّهِ مُلـْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَهَبُ الذُّكـُورَ لـِمَنْ يَشَاءُ وَ يَهَبُ الإِنـَاثَ لـِمَنْ يَشَاءُ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً " فـَقـَالَ الرَّجُلُ:" مَا اسْمُكَ يَا بُنـَيَّ" قـَالَ (وَصُوفُ):" اِسْمِي وَصُوفُ ,وَلـَيْسَ لـِي فِي الدُّنـْـيَا أَبٌ عَطـُوفٌ " قـَالَ الرَّجُلُ:" يَا بُنـَيَّ لـَقـَدْ رَزَقـَنـِي اللهُ الأَمْوَالَ الطـَّائِلـَةَ وَعِنـْدِي مِنَ الـْعِزَبِ مَا عِنـْدِي وَ مِنَ الإِبِلِ وَالـْبـَقـَرِ وَالـْغَنـَمِ مَا يَمْلأُ وَادِياً وَعِنـْدِي مِنَ الـْقـُصُورِ وَالـْخَدَمِ وَالـْحَشَمِ وَالسَّيَّارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الـْخَيْرَاتِ, وَلـَيْسَ لـِي مَنْ يَرِثـُنـِي فـَإِنْ قـَبـِلـْتَ أَنْ تـَكـُونَ ابـْنـِي فـَذَلِكَ فـَضـْلٌ مِنَ اللهِ أَحْمَدُهُ عَلـَيْهِ إِلَى أَنْ يَتـَوَلاَّنـِي بـِرَحْمَتـِهِ" قـَالَ (وَصُوفُ):"لاَ تحْزَنْ يَا أَبِي فـَقـَدْ بـَعَثـَكَ اللَّهُ لِي لِتـُنـْقـِذَنـِي مِنَ الـْحِرْمَانِ وَ ظـُلـْمِ الإِنـْسَانِ لأَخِيهِ الإِنـْسَانِ وعَاش (وَصُوفُ) فِي الـْخَيْرِ مُرَفـَّهاً مُنـَعَّماً كـَالأُمَرَاءِ وَالـْمُلـُوكِ,أَمَّا عَمُّهُ فـَقـَدِ انـْقـَلـَبـَتْ عَلـَيْهِ زَوْجَـتُهُ وازْدَادَ غَمُّهُ وَتـَعَكـَّرَ مِزَاجُهُ وَتـَفـَرَّقَ أَوْلاَدُهُ وَضَاعَ مِنـْهُ الـْعِيَالُ وَالـْمَالُ,وَأَخَذَ يَبـْكـِي عَلَى سُوءِ حَالِهِ حَتـَّى أَحْوَجَهُ الزَّمَانُ وعَاش فـِي الـْحِرْمَانِ,وَصَارَ فـَقِيراً مُعْدَماً يَسْـأَلُ النـَّاسَ فـَيَنـْكـَوِي بـِذُلِّ السُّؤَالِ ,وَذَاتَ يَوْمٍ وَبـَيْنـَمَا هُوَ فـِي ذُلِّ الحَاجَةِ أَعْـيَاهُ التـَّعَبُ فَجَلـَسَ أَمَامَ قـَصْرٍ جَمِيلٍ يَسْتـَرِيحُ وَبـَيْنـَمَا هُوَ فـِي هَذَا الـْحَالِ الـْقـَبـِيحِ ,إِذَا بـِشَابٍّ مَلِيحٍ يَنـْظـُرُ مِنَ شُرْفـَةِ القـَصْرِ,فـَنـَظـَرَ إِلـَيْهِ مُتـَطَلـِّعاً فـِإذَا بـِهِ ابـْنُ أَخِيهِ الـَّذِي نـَهَبَ أَمْوَالَهُ,وَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلـَهُ وَلـَكـِنَّ الْخِزْيَ وَالذلَّ أَصَابَهُ,فـَمَشَى مُنـْكـَسِرَ النـَّفـْس ,وَعَرَفَ أَنـَّهُ مِنَ الـْمُهَانـِينَ فـِي الدُّنـْـيَا وَالآخِرَةِ لأَنـَّهُ أَكَلَ مَالَ الـْيَتِيمِ الـَّذِي يَحْرِقُ بـَطـْنـَهُ وَيَسْتـَعِرُ فـِيهَا وَسَيَكُونُ لَهِيبُ جَهَنَّمَ أَشَدَّ والـْمِحْـنَةُ سَتَشْتَدُّ, وَعِنـْدَمَا يُقَابِلُ اللهَ سَيَقـُولُ:أَيْـنَكَ يَا (وَصُوفُ) لأَرُدَّ عَلـَيْكَ مَالـَكَ الـَّذِي نـَهَبـْتـُهُ؟! وَلـَكِنْ هَيْهَاتَ,فـَقـَدْ فـَاتَ الأَوَانُ وَرَسَبَ فِي الاِمْتِحَانِ.