كلمة السر
محمد الخليلي
قال ممرض الطوارىء : لمن هذه المحروقة ؟
أجاب والدها : شو هي بوكسة بندورة يادكتور هذه انسانة مصابة يادكتور .
قاطعه الممرض : اسمع لا تهني أنا مش دكتور ، مشان الله لاتلبسني هذه التهمة أنا مجرد طرطور ، يازلمة لاتحملق فيَّ هكذا ، زوجتي هكذا بتناديني ، شو يعني أنت أفهم منها ، أي والله بتفهم أكثر من مدير المستشفى أف .. اطلع واعمل ملف لهالمحروقة بسرعة .
قاطعه الوالد : لازلت مصرا على المحروقة يازلمة قل مريضة مصابة أي شي ...
فانتهره الممرض العجوز : اسمع خيو لاتعلمني أسرار مهنتي ، نحن هنا نسمي الأشياء بمسمياتها المحروق نقول له محروق واللي معه فشل كلوي منقول شاخ على حاله وهكذا دواليبك ... شوف ترى أنا سيبويه مايسبقني في اللغة ، لذا لاتتفلسف علي وروح سجل المحروقة بلاش بعدين .......
حوقل أبو سوريا ( البنت المحترقة ) واسترجع وذرفت عيناه دما لادموعا وصار يصعد الدرجات كل خمس سوياً ليدرك من في قسم التسجيل قبل أن ينصرفوا . وفي الغرفة اصطدم برجل عتل طويل مفتول الشاربين فبادره قائلا : بدك تسجل المحروءة ؟ فقال الأب : يعني أنتم قارئون على شيخ واحد ؟
قال الرجل الضخم : ليكون مو عاجبك شكلي ؟!
أجاب أبو سوريا بعد أن هدأ من روعه : بل ياسيدي كلك ذوق وجمال كمان ... بس..
قاطعه وقد انفجر ضاحكا : صحيح فهكذا تلقبني حماتي ( الأسمر اللي مثل العسل ) ثم رنت الغرفة بضحكات متتابعة منه وممن يتكأكؤن حوله من الموظفين الذين يتثاءبون من شدة النعاس وكأن ذبابة التسي تسي قد لسعتهم . المهم شو اسمك ياأبو المحروءة ؟
اسمي منوِّح ال..
فانفجر الأسمر العسل من الضحك مثل جرة غاز ممتلئة وقال : يازلمة كيف عرفت أمك أن بنتك ستحترق وتنوح عليها ههههههههه وضجت الغرفة بضحكات الموظفين جميعا الذين طار منهم النعاس حتى إن قائلهم قال وهو يهذي : إما أن تكفوا عن إضحاكي أو سأبول على ملابسي من شدة الضحك فانفجر الأسمر قائلا يعني نرسلك لقسم الفشل الكلوي ههههه
وقال الآخر : نعم هو قريب منا .
وقال ثالث : إن لم يستقبلوك فأنا سأريهم كيف أنك سروالك قد أصابه البلل ههههههههههه
وقال رابع : أما إذا مت فسنكتب في شهادة الوفاة منوح بدل عمر ونقول في أسباب الوفاة ناح على اسم الرجل فابتلاه الله باسمه هههههههههه
استل أبو سوريا الأروراق من أيديهم دون أن يشعروا ثم رجع أدراجه للدكتور الممرض في الطوارىء فاعترضه في الممر : شو ياأبو محروقة سجلتها ؟ وانتزع الأوراق منه قائلا : طيب اذهب الآن للمحاسبة وادفع تأمين الدخول .
عاد أبو سوريا ثانية إلى الغرفة المجاورة لغرفة الضاحكين حيث كانوا لايزالون مستمرين في الضحك ، فلعل شخصا آخر يسخرون اسمه .
دخل فوجد طابوراً طويلا مديدا .... استأذن المحاسب الاستعجال فأومأ له بطرف عينه أن لا . فرجع إلى حيث دوره ... ثم نادى بعد حين ياأخي معي حالة حرق ويجب أن تدخل العناية المركزة فورا ... لكن المحاسب المشغول نظر إليه شذراً من طرف خفي ولم ينبس ببنت شفة .
قال أبو سوريا لنفسه تالله إن أولئك الذين يتضاحكون سخرية أهون من هذا الذي ينظر إلي باشمئزاز ... رن هاتفه النقال فرد على زوجه : لم تكتمل الإجراءات بعد ، قالت ولكن حال البنت تسوء فقاطعها : ليس بيدي حيلة إلا أن أنتظر فقالت : مضى علينا خمس ساعات على تلكم الحال يازلمة روح اصرخ اضرب هاوش ... البنت عمتموت ثم غص صوتها وما عاد يبين من شدة بكائها .
قال منوح بصوت متذلل : ياإخوان مشان الله واحد يعطينا دوره حتى نسرِّع إدخال البنت ، فحار الجميع جوابا ولم يتلفظ أحد بحرف بل كانت ضحكات الأسمر وأقرانه تسمع من مكان بعيد .
من شدة التعب والنعاس نام منوح واقفا ولما جاء دوره انتهره المحاسب الأخرس : لما جاء دورك نمت .. اصحَ يانايم وحِّد الدايم .
فانتبه أبو سوريا وقال : عفوا سيدي ودفع إليه الأوراق .. فقال له متمتما : مية دينار لو سمحت ... فقال الأب : سيدي أنا .. قال له أنا ولا أنت بدي مية دينار ولا بدك نعالجلك بنتك ببلاش ؟؟!!؟
ياسيدي أنا ... فقال له : لاتقل أنا ولا هو لازم تدفع .
قال أبو سوريا : طيب مش أنا ... إحنا جينا من البيت بحالة طارئة وأنت شايف بملابس النوم بسبب احتراق البنت .. أدخلوها الآن وأذهب لأستدين المبلغ أبوس يديك ... لاتبوس إيدي ولا رجلي .... مية يعني ميه ... طيب دخلوها وأنا بدبر الفلوس قبل ماتموت البنت لأن حرقها من الدرجة الثالثة ... مشان محمد .. فقال المحاسب : صلى الله عليه وسلم ... اللي بعدو ...
نزل منوح على الدرج وقد خارت قواه فرجلاه عاجزتان عن حمله وعاد بخفي حنين فرآه طبيب مناوب في الممر فعاجله أين الأوراق ؟ غص الكلام في حلق الرجل ولم يسطيع الكلام من شدة حزنه .. نظر الطبيب في الملف فوقع على طلب الدخول وجعله على كفالته قائلا أسرع وانقل البنت لقسم العناية المركزة فورا علنا نركب لها الأجهزة لأنني أخشى علها من التأخير والجراثيم .
وفي غرفة العناية المركزة سأل الممرض : أين التحاليل ؟
فغر الأب فاه : أية تحاليل ؟
الممرض : التحاليل الجرثومية يا.. ونظر إلى الطلب ليتعرف على الاسم يامنوخ .
قال الأب أنا منوح
قال له يارجل منوح ولا بطيخ أصفر أين التحاليل ؟
قال : لم تُطلب منا تحاليل .
قال : طيب نادِ لي الحمار اللي في الطوارىء قبل ماتموت البنت .. يالله تحرك بسرعة عشان تخفف وزنك ... يخرب بيتك على هاالكرش شو بيجنن .
قال الأب ياسيدي مكثنا في الطوارىء تسع ساعات ولم يعملوا تحاليل ؟ أتريدنا أن نعود إليهم بعد إذ نجانا الله منهم .. خللي البنت تموت أهون علي من النكوص إليهم وانفجر بالبكاء .
قال الممرض بقسوة : عيب أنت رجل والرجال لايبكون .. اجمد يارجل ، فقاطعه منوح : وهل أبقيتم للرجولة مكانا ؟
قال الممرض : هذا التحليل كان يجب أن يعمل فور دخولكم المستشفى لا بعد عشر ساعات فقد تكون المريضة التقطت جرثومة ما ، كان على الحمير هناك أن يبادروا ، فلماذا يتقاضون الرواتب .... تباً لهم .
منوح : ياسيدي استحلفك بالله أن تضرب صفحا عن التحاليل وتأخذ الاجراء التالي أرجوك ... فبكى وبكى معه كل من في السرادق من مرضى وذويهم .. ثم هبوا هبة رجل واحد مزمجرين
اتقوا الله مضى على الرجل أحد عشر ساعة وهو يراوح في مكانه بين الممرات جيئة وذهابا بين الغرف والأقسام ، إما أن تدخلوها أو فلير مشفى آخر .
أسرعت الممرضات وابتدرن البنت بفائق الحنان وصرن يتهامسن لامزات : هذا الرجل الغريب المهاجر لايعرف كلمة سر الدخول للمشفى ، والله رحمه أن ضج أبناء البلد فأنقذوه .
كان البنت تتنفس بصعوبة بالغة وأمها تتلوى عذابا بجانبها فقالت لملائكة الرحمة : لو تعملون لها تنفس صناعي علها تتحسن ، فقالت الملاك الكبرى : لا ياخالة ماعاد في مجال إنها الآن تُنزع ..
مرَّ الأسمر الجميل من أمام زجاج الغرفة يرافقه المحاسب وكانا قد أنهيا دوامهما فاصطدما بالأب عند الباب فسألاه ماالخبر ؟
قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، إنها تلفظ أنفاسها الأخيرة .
قال الرجل الأسمر للمحاسب : أعجب العجب من هؤلاء المهاجرين أنهم يأتون هاربين دون أن يسحبوا أموالهم من البنوك ؟؟!!!!