نـظـرة إلى الأمام

بـقـعـة ضـوء

اعتليت اليوم سطح الدار لأصلح الصحن اللاقط، فلابد أن انفجار البارحة قد غيّر الاتجاه متحاشيا ما استطعت قناص حارتنا اللئيم يلي من كتر مالو حقير، لا يوفر شيئا يتحرك في مرماه ... لا بشرا او قططا و لا حتى الكلاب ...

وفجأة وبينما أنا على ظهر السطح دوى في اذني صوت انفجار كالرعد... فخفت و ارتبكت و سقطت فوق اللاقط و لسبب من الأسباب أحسست بصعقة كهرباء و غبت عن الوعي للحظات ... استيقظت بعدها لأجد نفسي في أعلى تلة فأخذتني الجمدة، و رأيتني أشرف على ساحة كبيرة تدور على أرضها معركة عظيمة بالسيوف و الرماح بين رجالة و رماة و فرسان ورأيت تطاير الهام و الدماء و الأشلاء فظننت لوهلة اني اشاهد فلما تاريخيا على التلفاز او لعلي في منام ... و قرصت نفسي لأستفيق و لكن سهما طائشا سقط الى جانبي ردني الى عالم اليقين ...

أمسكت السهم وتفحصته ... يا عالم ... هي مو لعبة، بل سهم حقيقي راسو حديد مو بلاستيك .... و التفتت فإذ بي بفارس طويل راكبا على حصان عربي أصيل لا أرى منه الا الحدق من خلف الحديد, أقترب مني و قال لي ..مرحبا يا اخ العرب ...فقلت له و عليكم السلام ... ما سبب هذه المعركة يا أبو الشباب...فقال سببها سباق بين داحس و الغبراء و لكن من أي العرب أنت ...قلت له من "عرب أيدول" ...فقال لي تبا لك و لهذا النسب و عاد الى معركته وتركني مع الأسف....

سارعت الى الصحن اللاقط الذي جاء بي إلى حرب داحس, فوجدته مرميا بجانب الحائط و قفزت اليه باستعجال فإذ بي وسط غابة كثيفة فقلت بسم الله, وكاد هذا الحال يصيبني بالجنون خاصة لما رأيت من حولي عشرات القرود ,أحلم هذا أم ماذا؟ ... ، وقلت لنفسي متى سينتهي هذا المنام .. لكن أعادني الى الواقع جوزة هند من أحد القرود شجت رأسي وجعلت الدم يسيل على وجهي, فأردت أن أردّ له الضربة بجوزة لكن صوتا مرعبا خلفي جمدني للحظة... فاستدرت بلا استبطاء في المكان و إذا بديناصور مخيف لم أرى مثله ولا حتى في الأفلام ...فقفزت فوق الصحن في الحال لأجد نفسي على سطح بيتنا في الشام ... فحمدت الله وقلت مية صباح صبح القناص و لا أن أكون في بطن ديناصور عملاق....

و أدركت أن الصحن قد أخذني عبر الزمان و حاولت ان أتذكر كيف كان الاتجاه, و اربط الأحداث فعلمت أني لما وجهته الى أقصى اليمين أخذني الصحن الى الماضي السحيق, ولما أدرته الى طرف الشمال سار بي الى الأمام, فقلت لنفسي ياسلام لماذا لا أنظر مستقبل الشام ...

فأدرت الصحن قليلا لليسار و قفزت فوق اللاقط  لأجدني في القصير بين حميم و نار و معارك طاحنة لا ترحم حتى الأحجار، و رأيت اعداد ضخمة من عناصر حزب اللات بين قتيل و أسير مسربلين بالذل و العار ورأيت مجاهدا ذو وجه وضاء فقلت له لما كل هذا القتال فقال لي بسبب كلب نباح! و سألني من أي العرب أنت يا أخ فقلت له من عرب "غوت تالينت" فقال بئس العرب عربك وبئس النسب نسبك...

ولتدارك الموقف أدرت الإبرة قليلا الى اليسار ، و إذ بي في ساحة الأمويين وقد تجمع جمعٌ غفير و ارتفع في الساحة نصب خشبي كبير و أعلام المجاهدين ترفرف فوق الاذاعة ... و اقتربت قليلا لأرى النصب عن قريب وقد ملأت الساحة صيحات التكبير, واذا بمشنقة كبيرة قد تدلت والناس من حولها جموعا تتحلق, ورأيت الأسد الصغير مقيدا على ركبتيه يبكي و يقول أهذا هو المصير؟ ياله من ذليل حقير عرفت أنهم سحبوه من المجارير و قد ظن سابقا انه رب يحي و يميت, ورأيت حبل المشنقة يلتف حول عنقه الطويل و هو ينادي لكن لا مجيب الا صيحات التكبير....

و نفذ صبري فلم أعد أحتمل الانتظار فأدرت الإبرة مرة اخرى قليلا لليسار و إذ بي في مدينة هي الشام لكن ليست كالشام تضاهي فيينا في التنظيم و النظافة و باريس في العمران و الأناقة ....رأيت البِشر في الوجوه و شاهدت السعادة في العيون...... إنها سوريا الحرة وقد طهرت عتباتها من الرجس دماء الشهداء و عطرت أرجاءها أرواح الأطفال و الرجال و النساء , وخالط سمعي صوت الأذان والمؤذن يصدح بشهادة أن لا اله الا الله محمد رسول الله.

لكني بالرغم من هذا الجمال و حسن العاقبة و المآل شعرت بغصة في صدري تجتاحني في الحال, وخطر على بالي سؤال:

نصر متوقع جميل و ثمن دفع لأجله الكثير، و لكن أنا ماذا بذلت و هل شاركت؟

ياللخزي و العار ماذا سأقول ان سألني الأصحاب و كيف سأجيب ابنتي عن هذا السؤال؟

فما تمالكت نفسي أن أعدت اللاقط الى اليمين لأجد نفسي على سطح بيتنا من جديد والقذائف من فوق رأسي تطير وشعرت بسعادة مالها من مثيل فما فائدة نصر لم اشارك فيه بقليل و لا كثير، وهل هي الا احدى الحسنيين ان يقولوا انتصر او يقولوا عريس جديد شهيد؟