توم و جيري
واحد زائد واحد ... واغتيال الطفولة
ربيع عرابي
لم يقبل توم على الإطلاق أن يكون مساويا لجيري ... ذاك الفأر الصغير التافه ... وإذا كان علم الحساب يقتضي أن يكون واحد زائد واحد يساوي اثنان، فيجب تغيير علم الحساب من أصوله وتصحيح قواعده، حفظا للمقامات وتوقيرا للشخصيات المهمة.
لكن ما الذي يستدعي مسَّ منطق الحساب وتعديله؟!!!، فجيري لا شيء أصلا ... صفر ... لا شيء!!!، وواحد زائد لا شيء يساوي واحد، وانتهينا ...
عبثا حاول جيري إقناع توم أن المسألة ليست بالحجم والقوة فقط، ولكنها بالعقل والذكاء والتأثير، وهل سيبقى لمغامراتهم الكرتونية طعم إذا أزيل منها جيري، وهل سيصبح اسمها مغامرات توم و توم مثلا، أو جيري و جيري ... ربما ... لِمَ لا!!!.
احتدم الجدال العنيف، والذي تطور إلى مناوشات، فمقالب فمطاردات عنيفة استمرت طوال النهار، وكالعادة وكما في كل مرة، قُلب عالي المنزل سافله، واستعمل توم كل قوته، لكن دهاء جيري ومهارته كانت بالمرصاد، فتمكن من الإفلات من قبضة توم والنجاة من مكائده، بل أذاقه الذل والهوان ورد له الصاع صاعين.
وما إن حل المساء وأرخى الليل سدوله حتى تمدد توم على أريكة وثيرة، يستجمع أنفاسه وقواه الخائرة، مقلبا القنوات الفضائية الواحدة تلو الأخرى، متوقفا بعض الشيء عند التي تتحدث عن مغامراته الشيقة، بينما استلقى جيري على وسادة ناعمة يتابع المشاهد على التلفاز وهو يغالب النعاس، فتتراءى له الصور جميعها كقطع من الجبن اللذيذ الطري.
تجمدت أصابع توم فلم تعد تلاعب جهاز التحكم، وتسمرت عيناه على الشاشة الكبيرة المعلقة على الحائط وهو يتابع المشاهد المرعبة التي كانت تعرضها إحدى القنوات الإخبارية، وارتجفت شفتاه وهو يقاوم البكاء، بعدما رأى خطان من الدموع يسيلان من عيون جيري، الذي راح هو الآخر يهز ذيله بعنف، وقد طار النوم من عينيه، وعلائم التوتر والذهول بادية على وجهه الشاحب.
التفت توم إلى جيري متسائلا والعبرات تخنقه : أليس هؤلاء الأطفال من مشاهدي مغامراتنا ومن المعجبين بنا ... أرأيت أشلاءهم ودماءهم ولعبهم المتناثرة في كل مكان؟
هز جيري رأسه والألم يعتصر قلبه الصغير ... وهو يتابع صورة الصغيرة التي ضمت لعبها إلى صدرها قبل أن تفارق الحياة.
انظر إلى تلك الفتاة المقطوعة الرأس ... صاح توم وقد قفز من مكانه ...
وذاك الطفل الذي مزقت أوصاله ... صاح جيري وهو يثب من وسادته ...
من ذاك المجرم متحجر القلب الذي طاوعته نفسه على هذه الفعلة النكراء ...
وظهرت المذيعة واجمة شاحبة الوجه، تشرح للمشاهدين تفاصيل المجازر والمذابح التي راح ضحيتها آلاف الأطفال في بلد يدعى سوريا، على أيدي عصابات مسلحة تسمى الشبيحة، فصعدت أرواحهم إلى بارئها تشكو إليه جبروت المجرمين وقهر المتكبرين الظالمين.
فتح توم حاسوبه على عجل، وكتب على لوحته بضعة حروف، ليقوده محرك البحث في ثوان إلى خريطة مفصلة، تبين موقع سوريا هذه ومكانها على وجه البسيطة.
ولم يلبث توم أن أصيب بخيبة أمل كبيرة وردد بصوت يائس : إنها بعيدة ... بعيدة جدا يا جيري ... إنها في وسط العالم ونحن نعيش في أطرافه ... فكيف يكون لنا معجبون ومحبون في تلك البلاد البعيدة، التي تفصلنا عنها جبال ووديان وأنهار وبحار، وهل لديهم قنوات وشاشات وحواسيب وشبكات.
تبادل توم و جيري بضع نظرات صامتة، كانت كافية لإتخاذ قرار سريع وعاجل، ودون أي خصام أو جدال في هذه المرة.
سرعان ما دخل الإثنان إلى قاعة التصوير، فأضاء توم الأنوار بينما شغل جيري الكاميرات، وأخيرا تم شبك الإتصال الفضائي وشبكة الإنترنت، وتحول الإثنان في لمح البصر إلى شخصيات كرتونية، تحملها الأمواج وتجري عبر الأسلاك، فتجوب الأرض وتتسلل إلى الغرف والشاشات.
طافت هذه الأمواج مشارق الأرض ومغاربها، ودخلت ملايين البيوت، وعبرت كل الحواجز والحدود، لكنها اصطدمت بعقبة كؤود، فما إن اقتربت من سوريا حتى منعت من الدخول، ورفعت في وجهها البنادق والمدافع، وردت على أعقابها تجر أذيال الخيبة، وقد أبلغت بحزم أنها تحمل في أحشائها شخصين غير مرغوبين وممنوعين من الدخول، لدورهما في إفساد الناشئة، وإدخال الفرحة والسرور إلى قلوب الصغار، وهو أمر يعد من العظائم والجرائم في هذا البلد، فالشخصية الكرتونية الوحيدة المسموح للأطفال رؤيتها ومحبتها، هي شخصية الحاكم بأمره الذي لقب بالبطة مؤخرا تقربا من الناشئة والناشئين.
إزاء هذه المشكلة اضطر توم و جيري للترجل من الشبكة، والخروج من الأمواج والعودة إلى الأرض، ليقوما بالتسلل عبر الحدود مشياً على الأقدام، متخفين وراء الأشجار والصخور، سالكين الطرق الملتوية بعيدا عن الأعين والرقباء.
كانت أصوات الرصاص وانفجارات القذائف وأزيز المروحيات المحلقة في السماء تصم الآذان وتهز الأرض والقلوب، والدخان الأسود يتصاعد خلف هذه الأكمة أو تلك، ناثرا في السماء سحبا من الغبار والرماد وربما الأشلاء.
وبينما هما يسيران بخفة ورشاقة، غير عابئين بما يواجهانه من أخطار ومتاعب، إذ بيد غامضة تبرز فجأة فتشدهما بقوة، وترميهما بسرعة البرق في حفرة ترابية قريبة، لتنقذهما من موت محقق محتوم، فما مرَّت إلا ثانية وأختها حتى انفجرت قذيفة مدفع على بعد خطوات قليلة منهما، كانت ولا شك ستودي بحياتهما وتنهي مغامرتهما قبل بدايتها.
صاح باسم : تعالي انظري مَن هنا ...
صاحت رباب : ياإلهي ... إنهما توم و جيري ...
سألت رباب وهي لا تكاد تصدق : أنتما توم و جيري حقيقة أليس كذلك ...
ماالذي جاء بكما إلى هنا ...
على كل الحمد لله على سلامتكما.
تحلق عشرات الأطفال حول توم و جيري، مبتهجين فرحين بقدومهما، وأحضر العديد منهم قصاصات صغيرة لصورهما أو لما تبقى منها بعد القصف، وأكد أحد الصغار أنه كان يمتلك المجموعة الكاملة لمغامراتهما، قبل أن ينهار المبنى الذي يسكنون فيه بفعل برميل متفجر، وتفاخر آخر بأن الطبق الفضائي الكبير الذي كان منصوبا على سقف بيته قبل تهدمه، كان يتيح له متابعة مغامراتهما على جميع القنوات.
كانت ليلة رائعة، انفض فيها السامر في وقت متأخر، وبقي توم و جيري يستمعان لباسم وأخته رباب، في ضوء القمر الجميل، وهما يقصان عليهما حكايات وبطولات أطفال سوريا، وشيبها وشبانها، وكهولها وصغارها، ونسائها وفتياتها.
قال باسم لتوم : ماتطلبه صعب التحقيق وفيه خطر كبير عليكما، فالأمر لا تلزمه الشجاعة فحسب بل لا بد من الخبرة والتدريب، وتعلم أساليب الحماية والمناورة والدفاع عن النفس، فعصابات الشبيحة خطرة شرسة، والإحتكاك بها دون الإعداد الكافي، مآله الموت ونحن لا نريد لكما ذلك.
أصر توم و جيري على زيارة الأطفال في قراهم وبلداتهم، لتشجيعهم ورفع معنوياتهم، و أبديا استعدادهما لتحمل المخاطر والصعوبات، في سبيل رؤية البسمة على وجوه هذه الورود اليانعة والأزهار المتفتحة، فما كان من باسم و رباب إلا أن نزلا عند رغبتهما وتعهدا بمساعدتهما في تحقيق أمنيتهما، واتفق الجمع على الإنطلاق صباح اليوم التالي، في زيارة ميدانية للقرى والبلدات الجميلة، وملاقاة الأحبة والمعجبين والمعجبات.
انطلق توم و جيري صحبة باسم و رباب، فعبروا الجبال المكسوة بالغابات ومزارع الزيتون واجتازوا البساتين والرياض والأنهار، وكانت تتوالى أمام أعينهم لوحات الطبيعة الخلابة ومشاهد الخراب والدمار الكبير.
كانت أيادي الأطفال تلوح لهم فرحة مسرورة في كل طريق مروا به، وشاهدوا صورهم مرسومة على ملابس الأطفال ودفاترهم في كل مكان نزلوا فيه، ورأوا تذكاراتهم تزين جدران المنازل في كل بيت دخلوا إليه.
وفي القرى الآمنة بعض الشيء، أقام الأطفال حفلات سمر جميلة، قلدوا فيها توم و جيري، وقدموا نسخا من مقالبهم ومغامراتهم، وانهالت أسئلة الصغار البريئة تتلهف للتعرف على الصديقين العزيزين.
فذاك طفل صغير لا يكاد يُبِين، يتساءل في فضول بريء، إن كانا قد حفظا الفاتحة أم ليس بعد، فينهره آخر متمثلا دور العالِم الحكيم : ربما كانا مسيحيين وليس عندهم فاتحة!!! فيشتد استغراب الصغير أكثر : المسيحيون ليس عندهم فاتحة!!! ويتدخل توم ليخرج الصغير من حيرته شارحا له وللأطفال جميعا، أنه و جيري خلق من خلق الله، يسبحان الله مع الكون وباقي مخلوقات الله.
وهذا طفل في الصف الأول، يتمنى أن يعرف علاقة توم و جيري بباسم و رباب، ليبين له جيري أن باسم و رباب يعملان في كتب القراءة، أما هو و توم فيعملان في أفلام الكرتون، وما يجمع بينهم هو أنهم جميعا شخصيات خيالية صديقة للأطفال.
ولعل أشد ما واجه جيري من إحراج، حين فاتح رباب في إحدى الأمسيات، مشتكيا إليها بعد الناس وتحاشيهم له، وعدم ترحيبهم به كما يرحبون بتوم، وقد بذلت رباب جهدا كبيرا، محاولة إفهامه بأن الأمر لا يخصه وحده فحسب، فأهل البلاد على العموم لا يحبون الفئران، لأنها من الفواسق الخمس المأمورين بقتلها، وهم قد يعجبون بك يا جيري ويضحكون لحركاتك على الشاشة، أما في واقع الحياة فالأمر مختلف تماما.
طأطأ جيري رأسه متألما، شارحا ومبينا لرباب أصله وفصله وعراقة نسبه، فهو سنجاب ابن سنجاب من عائلة سنجبية أصيلة، كان له ذيل طويل جميل في ماضي الزمان، لكنه تعرض في صغره لحادث دهس أليم ماتت فيه أمه وخالته وعمته أمام عينيه وقطع ذيله وتشوه شكله، ولم يتمكن الأطباء من إعادة ذيله الأصيل فغدا أشبه بالفئران.
والسناجب والفئران من فصيلة واحدة هي فصيلة القوارض كما تعلمين.
لا تحاول خداعي يا جيري فقد سمعت هذه الحكاية كثيرا من قبل ... ودع عنك هذا كله ... فأر ... سنجاب ... لا يهم ... مادام الأمر دعابات كرتونية لا أكثر ... ونم الآن فلدينا في الأيام المقبلة عمل شاق ... فقد اقتربنا جدا من مناطق الشبيحة وعصاباتهم، وأصبحنا في خطر شديد، فعلينا أن نكون يقظين مستعدين لكل طارئ.
تابعت المجموعة طريقها وزارت المآذن الشهيدة، وشاهدت رغيف الدم، وصور الشهداء، وذكريات نور وعفاف وهاجر وبيان وشهد وأماني و حمزة وجود ولين و .....
ثم ألقت عصا الترحال أخيرا في قرية صغيرة وادعة، نائمة في حضن الجبال المطلة على البحر الأزرق.
كان القمر بدرا تلك الليلة الهامسة، والنسائم الرقيقة تتهادى في شوارع البلدة وأزقتها وحواريها العتيقة الملتوية، وقد تجمع صبيتها وصباياها في الساحة الصغيرة، يلعبون ويرسمون ويضحكون ويثرثرون.
واكتملت الفرحة في قلوب الصغار بانضمام توم و جيري و باسم و رباب إليهم، وتوافد الأهالي رجالا ونساء للترحيب بالضيوف الأعزاء :
لا تعجب يا توم فأنا ورغم الشيب الذي ملأ رأسي لا زلت أتابع مغامراتكم الشيقة وأسر بمشاهدتها ... قال أحد الكهول بينما أردفت عجوز كبيرة منحنية الظهر وهي تربت على رأس توم ... شكرا لك يابني فقد أسعدت قلوبنا صغارا وكبارا.
تحدث الجميع في تلك الأمسية عن قريتهم الجميلة الهانئة الوادعة، وعن المخاطر المحدقة بها، بعد أن تواترت الأنباء مؤخرا عن إعداد عصابات الشبيحة مجموعاتهم لإقتحام القرية، وإهانة أهلها من جديد.
لم يحفل أحد من أهل القرية كثيرا بهذا الأمر، ولم يأخذه أحد منهم على محمل الجد، ولم يفهم الأطفال الكثير مما قاله آباؤهم، لكن باسم و رباب لم يخفيا قلقهما الشديد على سلامة توم و جيري، ونصحاهما بمغادرة القرية حالا قبل حدوث ما لايحمد عقباه.
رفض توم و جيري الهروب وأصرا على البقاء وسط أحبائهما وأصدقائهما الأطفال، كائنة النتائج ما تكون، فما الذي سيفعله الشبيحة مع هذه الجموع البريئة المسالمة، وَلِمَ يعاقبون هذه الوجوه الباسمة المقبلة على الحياة، وكيف يعتدون على هرٍّ وفأر جاءا لزيارة أصدقائهما من الأطفال.
لم تلبث الظنون أن صارت حقيقة واقعة، فقد حاصرت عصابات الشبيحة القرية الصغيرة، وبدأت في اقتحامها محولة بيوتها الآمنة إلى خراب، وأزقتها إلى مقابر، ففر من أهل القرية من تمكن من الفرار، وحوصر الباقون داخلها.
واختبأ توم و جيري صحبة باسم و رباب في دكان جانبي قديم، قريب من الساحة، وأخذا يراقبان الأحداث من شقوق الجدران المطلة على القرية، واختبأ معهم مجموعة من الأطفال الصغار تواروا في الأركان المظلمة، وبين الصناديق المبعثرة، بعد أن تملكهم الرعب والفزع، لسماع إستغاثات أصدقائهم وصياح أحبتهم.
تعالت ضحكات الشبيحة في القرية وهم يغمدون خناجرهم في قلوب الضحايا، مستهزئين بصيحات الأطفال وأنَّات المذبوحين، راقصين حول أجساد الشهداء غير عابئين بحرمة ولا خلق ولادين، وقتل الكهل وأحرقت العجوز، ولاحقت بلطات المجرمين وخناجرهم أجساد الصغار الغضة الطرية، وأجسادهم التي لاحول لها ولا قوة.
واقتحم المجرمون الدكان ليسرقوا محتوياته، ففضحت بعض أشعة الشمس العميلة الخائنة سر المختبئين في الزوايا والأركان، وعلت صيحات المجرمين فرحين بضحاياهم الجديدة، ورفعوا سكاكينهم وبلطاتهم في الهواء، ليبدؤوا جولة جديدة من طقوسهم الشيطانية، لكن صيحة مزمجرة ردتهم على أعقابهم، حين زعق فيهم عُتلٌّ زَنِيمٌ من جَلاوِزَتِهِم :
انظروا من هناك ... أليسا توم و جيري ... يبدوا أننا وقعنا على صيد ثمين هنا ... لا تقتلوهما ... أمسكوا بهما فقط ... فلعلنا نفاوض كل العالم على فديتهم ... وسيدفع العالم لنا مانريد.
انطلقت الخناجر والبلطات باحثة عن الأجساد الغضة هنا وهناك، وأمسك أحد المجرمين بذراع باسم، وهم بطعنه، لولا أن انقض عليه توم بكل ما أوتي من قوة، فارتد الخنجر إلى صدر المجرم فخر ميتا لتوه، أما جيري فقد أنشب أسنانه الصغيرة في ساق مجرم آخر، كان يجر رباب من شعرها، ليقطع ببلطته رأسها الصغيرة، ولشدة ألمه أفلت البلطة من يده فسقطت على أصابع قدمه فقطعتها.
ودارت معركة غير متكافئة، استخدم فيها توم وجيري كل حيلهما وذكائهما وخدعهما للنيل من المجرمين وإنقاذ الأطفال، لكن رصاصات غادرة انطلقت من بندقية أحد العتاة أنهت المعركة، وسقط على إثرها توم و جيري وباسم و رباب مضرجين بدمائهم، وقد تشابكت أيديهم، ورفعوا أصابعهم إلى السماء، تشكوا إلى الله عجزها وضعفها، وتستمطر عدله وانتقامه.
كانت الصحفية المخضرمة ميسون، مختبأة في سقيفة علوية مليئة بالأشياء القديمة، وكانت تصور المعركة العنيفة وبطولات توم و جيري المذهلة، والجريمة البشعة التي ارتكبها الشبيحة المجرمون، فلم تترك شاردة ولا واردة إلا سجلتها ووثقتها بكاميرتها العتيقة، فأظهرت وجوه القتلة وأشكالهم الفاجرة وضحكاتهم الماجنة، وصورت فيما صورت الأصدقاء الأربعة وقد تشابكت أيديهم وصعدت أرواحهم إلى السماء.
وماهي إلا دقائق قليلة حتى انتشر النبأ الأليم بين أطفال الدنيا، وسمع العالم كله آخر حوار دار بين توم و جيري وهما يلفظان أنفاسهما الأخيرة، و توم يسأل جيري بصوت متقطع خافت :
أخيرا عرفتُ الجواب يا جيري ...
وأنا عرفته أيضا يا توم ...
واحد زائد واحد
قال توم : النصر و .. و .. و ...
تابع جيري : و الشهادة ... ياتوم ... الشهادة ...
ورددا معا :
واحد زائد واحد النصر و الشهادة
وأسلما الروح.
و أعلنت القنوات الفضائية خبر وفاة توم و جيري المفاجئة، أثناء مهمة غامضة في بلد بعيد اسمه سوريا، يشهد اضطرابات كبيرة، وعرضت المشهد الأليم الذي صورته ميسون للشهداء الأبطال، مركزة على مكانة الفقيدين توم و جيري وعبقريتهما الفذة، وأعمالهما الفنية، ومتناسية أو متجاهلة باسم و رباب لأسباب عدة.
صمت السياسيون، وصمت القادة، وصمتت الشعوب، وصمت المنتجون والمخرجون والممثلون ... وصمت جميع الكبار، واحتل القلق قسمات وجوههم خوفا من القادم المجهول.
وفي اليوم التالي ولدت أرض جديدة، أرض طاهرة نظيفة، نقية من رجس السياسيين والقادة والمخرجين والممثلين، أرض صنعها أطفال الغد ... وعجنوا لبناتها بطهارتهم ... ونوروا ساحاتها ببراءتهم ... وتعاهدوا أن يعطروا نسيمها بالبسمة والأمل والحرية.
..........................................
تعريف بالشهداء :
· عفاف وهاجر وبيان ونور وشهد وأماني و حمزة وجود ولين و ..... من شهداء الثورة السورية الأطفال.
· باسم و رباب وميسون : أبطال كتاب القراءة في الصفوف الأولى في سوريا.
· توم و جيري : غنيين عن التعريف.