أمواج بلون الزمن
أمواج بلون الزمن
عبد الزهرة لازم شباري
توغل في باكورة الحزن ، لزم الصمت سنيناً عجاف ، راح يحصد خيبات سبقت عمره ، تمطى له ثعبان العصر بجبروت الفوضى ، انكب على موقد كان قد ذاق حلاوة الدفء يوماً ما ، التحف بكمد السنين وراح ينوء بروحه في درابين فكره المشوش !
كان ليلته لم ينم ولم يزوره النوم إلى فراشه البائس أبداً ، يتقلب كما الأسماك في بطون البحار ، راح في غفوة قد داهمته على حين غرة وهو لا يدري من أين دخلت عليه ، في حين كان الباب موصداً والحارس الليلي واقفاً بعدة سلاحه ، الوقت يخيم عليه ظلال وخيم ، وطلاسم الغيوم الممطرة أسدلت ستائرها على ملامحه ، وغيرت من إطلالة وجهه الجميل ، سائراً وحده في طريق لا يدري وجهته ، ولا يعلم من أين بدء وأين هو ذاهب ! سوى أنه يشعر أن الصلاة قد داهمته ، يبحث عن مكان يتوضأ فيه ، يسمع رجلاً يناديه :
تعال هنا ؟
ينظر إليه ، يشمأز منه ويبتعد دون أن يكلمه ، يشعر أنه منهم ، يستمر في طريقه غائباً بفكره المتعب ، سرعان ما يرى بحراً واسعاً يتهلل ماؤه أمامه ، يفرح متجهاً نحوه ، هنا أتوضأ ، أنه ماء حلو المذاق ، يجلس على صخرة في جرف البحر ليتوضأ تغمره السعادة ، يخلع ملابسه ويبدو سابحاً في البحر ، تقفز سمكة صفراء بجانبه ، يمسكها وهي تلعب بين يديه ، يفرح بها ، ويستمر سابحاً لمسافة ليست بعيدة عن الجرف ، تقفز سمكة أخرى بيضاء اللون كلون الفضة ، يمسكها ويفرح بها ، يضعها مع الأولى ، يحاول الرجوع ، لكن ضد تيار الماء هذه المرة ، يرى في طريقه رجلاً كالح الوجه ، يشمأز منه ، لا يأبه به ، يشعر أنه يرمقه من بعيد ، يسبح بقوة ، يرى رؤوس بشرية مقطوعة تطفو فوق سطح الماء ، أنها رؤوس شباب في مقتبل العمر ، يدخل في قلبه خوف شديد ، يتذكر ذاك الوجه الكالح ، يحاول الابتعاد عنها ، يغمس رأسه في الماء وينحدر من تحتها بسلام !
يستيقظ من نومه وهو متعب ، يحس بأطرافه ترتعش ، ليسمع داع الله ينادي للصلاة !!