تجار الرقيق الأبيض
تجار الرقيق الأبيض
حيدر الحدراوي
خرجت طالبات الاعدادية من بناية المدرسة , توزعن في كل الاتجاهات , و بعضهن وقفن على الرصيف لانتظار سيارة احد اقاربها , او لانتظار الباص ( الكيه ) .
ليس بعيدا عن المدرسة , وقفت سيارة فيها اربعة ذئاب , تبحث عن فريسة , شاة سمينة , فاجالوا النظر في الطالبات , وجوههن واجسامهن , تمعنوا في رشاقتهن , فيما كان احدهم يصور بكاميرا اخفاها جيدا , حتى التقت نظراتهم على فتاة غاية في الجمال , وجه حسن , جسم معتدل القوام , رشيقة الخطوات , تنظر في اتجاه واحد , الى الامام , لو نظرت الى البحر لجف ماءه خجلا , تكاد الجدران تنحني عند مرورها , وكادت قطع الرصيف تتسابق لتكون تحت اقدامها .
قرروا ملاحقتها , دار محرك السيارة , وانطلقت تسير ببطئ , تتبع خطواتها , التي لم تسر طويلا , حتى وقفت امام بيت قريب من المدرسة , فتحت باب بيت ابيض اللون , واغلقت الباب لتتوارى عن الانظار , تفحصوا الكامرا جيدا , وصوروا الشارع من كل الاتجاهات , وانطلقوا مسرعين الى جهة مجهولة .
عرضوا الصور على رئيسهم الذي يسوق هذا النوع من البضائع , فسلبت عقله , وخفق قلبه , فاخبرهم ان التجار سيدفعون فيها ثمنا كبيرا مقابل خطفها واحضارها اليهم .
شرعت الذئاب الاربع بجمع المعلومات , ووضع الخطط , وتبادل الاراء , لكنهم وجدوا الامر عسيرا جدا , فبيت الضحية يقع قريبا من المدرسة , وطرف الشارع ضيق جدا , ومزدحم دائما , ولا يمكنهم التحرك فيه بسلاسة , اما الطرف الاخر للشارع , كان كبيرا , ويوفر لسيارتهم سرعة انطلاق هائلة , لكن , هناك نقطة تفتيش طوال اليوم , بالاضافة الى ذلك , هناك العديد من المحلات في الشارع , منها واحدا لاخو الضحية واخر لاباها .
راقبوا المكان جيدا , باحثين عن ثغرات , تمكنهم من خطف الضحية والهروب بسلاسة تامة , فيما كانوا يتجولون في الشارع , اتصل فيهم الرئيس , يريد ان يستعلم عن الضحية , هل هي باكر ام لا ؟ , كم طولها ؟ , ووزنها ؟ , واخبرهم ان الثمن سيزداد لو كانت المواصفات مطابقة لرغبات التجار في الخارج .
انتحل ثلاثة من الذئاب شخصيات اطباء مدرسيين , بهويات مزورة , فدخلوا المدرسة , قابلوا المديرة , وشرحوا لها اهمية الفحص الدوري للطالبات خشية من انتشار الامراض المعدية , ومتابعة الحالة الصحية لهن , اقتنعت المديرة , فتمثيلهم كانت جيدا , وسمحت لهم بالتنقل بين الصفوف , ويتفحصوا الطالبات , حتى وصل دور الضحية , فقاسوا طولها , ووزنها, وركزوا كثيرا على بعض اجزاء جسدها , وسألها احدهم ان كانت متزوجة ام لا ؟ , فأجابت بأنها غير متزوجة , وتفحص الاخر عينها واخبرها انها تعاني من نوع من انواع فقر الدم , ربما بسبب كثرة القراءة , او القلق مما ينتظرها في المستقبل القريب ! , ونصحها بأنها يجب عليها مراجعته في المستشفى العام , لعلهم يستطيعون صيدها بالطريق .
اتصلوا بالرئيس , واخبروه بما حصلوا عليه من معلومات , فهش وبش , واخبرهم ان التجار في الخارج سيدفعون مبلغ اكبر مما يظنون , فزادهم حماسا ورغبة في انجاز الامر .
تسائل الذئاب الاربع , ان كانت الضحية تخرج من البيت لغير المدرسة , لعلهم يصطادوها في مكان اخر , فراقبوا الشارع بأستمرار , واكتشفوا بأنها تخرج الى جلب الخبز من المخبز , الذي يقع في نفس الشارع , قريبا من محل ابيها , نظرات الاب تلاحقها حتى تدخل عائدة الى البيت .
لابد من خطة محكمة , تمكن الذئاب من اقتناص الفريسة , فوضعوا الكثير من الخطط , لكن امام كل خطة عائق , يمنع تنفيذها , واخيرا وبعد جهد جهيد , توصلوا الى خطة جيدة , وقرروا تنفيذها في الصباح .
قبيل خروج الطالبات من المدرسة , اقترب مجنونا ( من الذئاب مدعيا الجنون) من نقطة التفتيش , يرتدي ثياب قذرة , تفوح منه روائح كريهة , وتحرش بأحد الشرطة , وقذفه بكلمات نابية , مما اضطر الشرطي ان يدفعه , فسقط على الارض , جلس المجنون على الارض , وسط الشارع , واستهل مرنما ( صدام اطلع هاي امريكا ) , بينما الشرطي يطلب منه النهوض والانصراف , فتجمع حوله تلاميذ المدارس , يهزجون , ( تسودن لا تلومونه , تسودن لا تلومونه ) , في اثناء ذلك , جاء رجلا ليتشاجر مع الشرطي , مدعيا ان المجنون اخاه , وهدد بمقاضاة الشرطي , فأحتدم الشجار بينهما , فتدخل ضابط النقطة , وبعض المارة , بينما نهض المجنون لينقض على الشرطي , شاتما اياه بأبشع الشتائم , لم يبق في النقطة سوى شرطيين , تركا النقطة وانشغلا بتنظيم سير المركبات , التي ازدحمت بشكل ملفت للنظر , .
في غضون ذلك , وقفت سيارة فيها ثلاثة ذئاب , قرب المدرسة , اعد احدهم بخاخ مخدر , كان ينوي رش بعضا منه في انف الضحية , والاخر هيئ مسدسه , لاثارة الرعب بين الطالبات , وكل من يهب لنجدة الضحية , والثالث تمسك بمقود السيارة , مستعدا للانطلاق , في الوقت المناسب , بينما كانت كل الانظار موجهة نحو الشجار , فتح باب المدرسة , وبدأت الطالبات بالخروج , دفعات تتلو دفعات, تفحصت الذئاب الوجوه , باحثة عن الضحية , حتى كان اخر من خرجت المديرة , فاوصدت الباب بالاقفال جيدا وانصرفت , لكن الضحية لم تكن موجودة , كانت في اجازة مرضية ! , فخابت امال الذئاب , وانصرفوا يجرون خلفهم اذيال الخيبة والضلال .
استمر هذا الحال عدة شهور , في حين ان التجار يلحون على ذئابهم بالتعجل في الامر , كانت كل خططهم تواجه الفشل , الى ان تدخل رئيس الذئاب هذه المرة , بعد ان عاين المخططات , ودرس اسباب الفشل في كل مرة , قرر ان يزور الموقع ميدانيا , ليضع خطة جديدة , تجول في الشارع كثيرا , بحث عن أي ثغرة ممكن ان تنفعهم , فوجدها اخيرا ! .
محول الكهرباء يقع في ركن الشارع , حيث وقفت سيارة الشرطة , قاطعة الطريق .
اتخذ الجميع مواقعهم , بعد ان استوعبوا الخطة الجديدة , وبعد ان تأكدوا ان الضحية قد دخلت المدرسة هذه المرة , قبيل انتهاء الدوام , اقترب شخص من محول الكهرباء , ورمى قنبلة صوتية , وتوارى بين المارة , فحدث صوت كبير , منبعث من المحول , وتساقط بعض المارة من صوت الانفجار , وهرع اليهم اخرون لتقديم المساعدة , فتحركت سيارة الشرطة خشية من تساقط اسلاك الكهرباء عليها , فأنفتح الشارع على مصراعيه , الان الفرصة سانحة لخطف الضحية والهروب .
اما سيارة الذئاب , فقد ركنت قريبا من باب المدرسة , فخرجن جميع الطالبات , واخر من خرجت المديرة , لكنها لم توصد الباب هذه المرة , بل تركته مفتوحا , وانصرفت , ولم تخرج الضحية , فقد كان لديها دروس اضافية ! , ففشلت الخطة كسابقاتها .
استشاط الذئاب ورئيسهم غضبا , وامتلئت قلوبهم حنقا وغيضا , فهذه اول مرة يواجهون فيها مثل هذه المصاعب .
طال الامر كثيرا , والوقت يمضي بسرعة , بينما كان التجار يكيلون لهم الشتائم , فوضعوا هذه المرة خطة لخطفها اثناء ذهابها لجلب الخبز من المخبز , وذلك قبيل الغروب , فأتخذوا اماكنهم , وانتشروا في عدة مواقع , مستعينين بعدد اكبر من افراد العصابة , وانتظروا ساعة الصفر بفارغ الصبر , لكنهم لاحظوا ان محل ابيها كان مغلقا , وكذلك محل اخيها , الامر غريب ! .
لم تخرج الضحية لجلب الخبز كعادتها في كل يوم , اثناء ذلك , فتح رجال الشرطة الطريق , لكثير من السيارات , فيما يبدو زفة عرس , توقفت سيارات الزفة مقابل بيت الضحية , بينما تهزج النسوة ( عبود جبناله مره .... من غير حمره امحمره ) , وتصدح حناجر الاطفال ( عرس عبود خير وطش بالولايه ) , وبعض كبار السن في باص اخر ( طالعه من بيت ابوها جايه البيتك عبود .... حاطه الاحمر عالاخضر افرح افرح يا مكرود ) , ترجل عبود ببدلته المستأجره , وحذائه الذي اقترضه من صديق له , يتمايل مع نغمات الاهازيج , وينظر في ساعة يده , التي استعارها من صديق اخر , وكأنه على عجلة من امره , دخل البيت الابيض , وبعد قليل اخرج العروس , فكانت الصدمة المؤلمة للذئاب , فقد كانت الضحية نفسها , ضرب احد الذئاب رأسه بزجاج السيارة , والاخر لطم يده على جبينه , والثالث اغمي عليه , اما الرابع , فترجل من السيارة , واتجه نحو ثلة من الشباب , فتوسطهم وهزج بصوت عال وهو ينظر ويشير الى سيارة الذئاب :
(( عبود جبناله مره من غير حمره امحمره
الحاسد ايظل ليوره والذئاب تاكل خـ .... ))