الأب وخيوط العنكبوت

الأب وخيوط العنكبوت

عبد الزهرة لازم شباري

[email protected]

دخل فراشه ودخلت معه حالة غريبة من الارتباك والقلق ،حتى بات لا يعرف فيما كان نائماً أم لا ، شعر بخيط من الخوف اللزج ، راح يصفع رأسه ويخلق له الوساوس وهو يتجشأ ثقل السنين الغابرة .

وبينما هو في مثل هذا المنولوج المحموم مع نفسه أخذ الخوف ينمو في داخله ، وشعر أن ذهنه صار يتكون من عدة أذهان ، وكل ذهن يعمل بطريقته في ضخ الأفكار ، وهو وسط صراخ وضجيج أطفال في الدار المتهرئة ماسكاً بيده تلك التي تخفف عنه بذهابها ومجيئها آسون الحر وتجفف قطراته عن وجه الفاني !!

 يحل ضيفاً عليه ويحس بأشياء تربكه ، ويشعر شعوراً غريباً وكأنه يراه لآخر مرة !

يراه يهبط من عالمه السفلي كريشة يقلبها الهواء ، ينقل عينيه بين صفحات الصور المعلقة على الجدران المغبرة ، وينظر بوجه ضيفه الرابض أمامه وهو يحاول أن يسمعه صوته الذي لا يكاد يسمعه وكأنه يأتي من قاع بعيد ، الجميع هنا مشغول بحالات تافهة ، زوجته التي تجمعت عليها اللواتي من جاراتها وهي تضرب لهن (بالودع ) وتكشف لهن عن المستور من حالهن كما تدعي ، فيما راحت أبنتاه بأعمال الزينة والطلاء الرخيص ، أما ولده الوحيد فكان مشغولاً قد غلب عليه التفكير والشرود الدائم ، يتطلع لمن حوله بنظرات عقيمة مستغرباً هذه الأعمال ، وهو لا يستطيع عمل شيء يذكر !

يتأفف ساعة ويحرك يديه بعصبية تاركاً البيت ومن فيه إلى الشارع مهموماً ، ظل زائره يحدق في عينيه يحاول إضافة شيء ما ينفع      مريضه الراقد لكن دون جدوى ، خرج هو الآخر دون أن  يودع أحداً ، وعند بضع خطوات سمع صراخ وراءه من بيت ( أبي محمد ) !

رجع مذهولاً وجد صاحبه قد فارق الحياة !

ظلت ْ عيناه لا تفارق شبحه وهو يحدق بالصور المعلقة على الحائط القديم، وحول ما خطته خيوط العنكبوت على الجدار !!