القذافي

القذافي

حيدر الحدراوي

[email protected]

كان القذافي في صباه ولدا معتوها , شعر رأسه غير مرتب ( كفشه ) , لم يستعمل المشط في حياته , وكلما اشترى له ابوه مشطا جديدا , كسره ورماه في المزبلة , وكان القمل يعشش في راسه , ويتطاير منه افواجا وامواجا , وكان قذر الهيئة , متسخ البدن والثياب , لا يغتسل ولا يلبس ملابس نظيفة .

ولم يكن لديه اصدقاء , بل ان كل اطفال المنطقة اعداء له , فحينما يرونه يسير في الشارع , يهرولون خلفه , ويرمونه بالحجارة , ويضربونه بالعصي , وينعتونه بالمجنون او المخبول او المعتوه , او ربما نعتوه بالاثول , او الاخوث , او ما شابه من الفاظ , التي تليق به وبهيئته القذرة , فيطلق ساقيه للريح عندما يحاولون ازعاجه , وتاره يتهجم عليهم , واذا حدث ان امسك واحدا منهم اوسعه ضربا , وربما ادماه ما لم يسعفه احدا من الكبار , فقد كان قوي البنية , شرسا , متوحش الطباع .

فتولد في نفسه حقدا تجاه اولئك الاولاد  , اما رجال المنطقة لم يكونوا يختلفون كثيرا عن الاطفال في معاملته , فبمجرد ما يرونه , يصرخون بوجهه ( انصرف ايها القذر المتوحش ) , ( اذهب بعيدا يا حيوان ) , فأضمر حقدا كبيرا على الرجال ايضا .

وفي المدرسة , كان مبغوضا من قبل مدرسيه , وزملائه , فيسمعه المدرسون كلاما فضا , ( اغتسل يا وحش ) , ( غير ثيابك ) , وربما طردوه من المدرسة , ذات يوم , جاء مدرس جديد للمدرسة , فشاهد هيئته القذرة , فطرده من المدرسة , واخبره ان لا يعود حتى يغتسل , ويرتدي ثيابا نظيفة , حالما خرج من بوابة المدرسة , هجم عليه عدد من الاطفال , بالحجارة والعصي , فأطلق ساقيه للريح , يتنقل من ( دار دار , بيت بيت , زنكه زنكه ) , فيقفز من حائط الى حائط , مثيرا الرعب في البيوت , الامر الذي اورثه لياقة بدنية جيدة , وهكذا الى ان يصل الى البيت سالما , فأخبر امه بطلب المدرس الجديد بالاغتسال , لكنه فضل عدم الذهاب الى المدرسة مرة اخرى على الاغتسال .

كلمت الام زوجها بهذا الموضوع الخطير , فليس من السهل اجبار القذافي على الاغتسال , فتركه ابوه حتى غط في نوم عميق , بعد يوم طويل من ملاحقة الاطفال له , ورميه بالحجارة وضربه العصي , فجلب الاب حبلا غليظا , فقيد رجليه ويديه , واحكم اغلاق فمه , بينما امه اعدت الماء الساخن , وبعضا من الصخور , و مساحيق غسيل الاواني ( تايت ) , وقليلا من الكاز والنفط , وعندما فرغ الاب من احكام ربطه , شرعت الام بخلع ثيابه  وسكب الماء عليه , فأستيقظ مذعورا , محاولا فك الحبال , من غير جدوى , يصرخ ويبكي , بعد ان افلت احكام فمه , بدا عليه انه قد نسي اللغة العربية , فتكلم بالانجليزية ( Please , let me go , I'm going to die , I feel too bad  )) , غير ان الابوين لم يعبئا لتوسلاته , فجلبت الام قطعة من الخيش ( كونيه ) وسكبت عليها مسحوق الغسيل , وشرعت تحك وتفرك في هذا الجلد السميك , بينما الاب تارة يضربه , طالبا منه السكوت , والانتظار حتى يفرغون من تنظيفه , وتارة يفرك جلده بتلك الصخور , فتتساقط منها اكداس من الوسخ , وبعد مرور ساعتين كاملتين , فرغوا من تنظيفه , بعد ان استوفت هذه العملية برميلا من الماء , فأحضرت الام الكاز والنفط , ودلكت بها رأس القذافي , لعل القمل يموت او يرحل ! .

 ذات يوم , اعطته امه قطعة من النقود , فذهب القذافي قاصدا السوق , فكمن له العديد من الاطفال , وهجموا عليه هجوما شرسا , فهرول عائدا الى البيت , الا ان مجموعة كبيرة من الاطفال حالت دون ذلك , فدار يتنقل بين الازقة والزنك , الى ان وصل الى شارع ضيق , فأطبق عليه الاطفال من كل الجهات , وانثالوا عليه رميا بالحجارة , وما كان منه الى البكاء وطلب الاستغاثة , حتى هرعت بعض النسوة وطردن الاطفال , فجلس في زاوية ما في الشارع , تفقد قطعة النقود , فلم يجدها , فأجهش بالبكاء والنحيب وتوعد الاطفال بأن يسرق اموالهم كما ضيعوا ماله , وان ينتقم منهم يوما .

جلبت له امرأة بعضا من الخبز والحليب , فالتهمه , كالوحش المفترس , وجلبت له اخرى قطعة من الحلوى , فألتهمها بشراهة , وجاءت اليه ثالثة , فأصطحبته الى البيت , تذود الاطفال عنه , حتى اوصلته الى الباب , فشعر بأطمئنان وحب وحنان تجاه النساء , دون الاطفال والرجال , هكذا كان يعود الى بيته , بأصطحاب احدى النسوة , و احيانا يهرب الى الصحراء , فيبقى حتى مغيب الشمس , حيث يعود الاطفال الى بيوتهم , وتخلو الشوارع من المارة , فيعود بدوره الى البيت .

ذات يوم , بينما كان القذافي يركض وخلفه الاطفال , فتوجه نحو الصحراء , فأستمر الاطفال بملاحقته , بينما هم كذلك , خرج عليهم اسد  عرمرم , فتصدى له القذافي , فقد كان لديه اسنان قوية كالاسد , واظافر طويلة وحادة , في حين ان الاطفال حاولوا الفرار , فتوقف الاسد امام القذافي , نظر اليه بتمعن , الا ان الاسد لم يعجبه لحم القذافي , فتركه واتجه نحو الاطفال , فلحقه القذافي , وامسكه من ذيله , واشتبكا في قتال مستميت , فاحتدم القتال , واشتد الوطيس , وارتفع الغبار في الجو , والاطفال يراقبون , لم يستطيعوا تمييز القذافي من الاسد , فقد كان الغبار عال جدا , وبعد ساعتين من القتال الشرس , انجلت الغبرة , فأذا بالقذافي يضع قدمه اليمنى على رأس الاسد , وسحبه من ذيله , وعاد به الى القرية , فضربت به الامثال العربية , ومنها (( جاب الاسد ( السبع ) من ذيله )) . 

مع كل ذلك , كان القذافي ينجح في كافة امتحانات المدرسة , حتى تخرج من الاعدادية , فقصد الكلية العسكرية , فكانت اللياقة البدنية المؤهل الكبير في قبوله , والفضل يعود لاؤلئك الاطفال , الذين دربوه جيدا على الركض والتخفي , والقفز على الحيطان .

تفوق القذافي على اقرانه في الكلية العسكرية , بفضل لياقته وخشونته , ورعونته التي تدفعه الى الاقدام , فتخرج من الكلية , وعاد الى البيت , حالما رآه ابوه , بتلك الملابس النظيفة , فتذكر كيف كان يربطه بالحبال بغية غسله وتنظيفه , فنهض المسكين من مكانه , وخرّ الى الارض كالخشبة اليابسة , بعد ان اصابته السكته القلبية .

ترقى القذافي الى رتب عديدة , وتولى مناصب كثيرة , حتى قاد انقلابا عسكريا , وتولى زمام الحكم في البلاد , وتسلط على رقاب العباد , فقرب النساء ليكن حرسه الشخصي , وموضع سره , فقد كان لا يثق الا بهن , ولا يعتمد الا عليهن .

تزوج القذافي , بعد ان رفضت الكثير من النساء الاقتران به , فدخل على عروسه بعد حفل بهيج , حاملا بيده صندوق كبير , فيه احب الاشياء وافضل هواية له , فقدمه للعروس كهدية , الفرحة تلك المخبولة , وفتحت الصندوق , فبمجرد ان شاهدت ما بداخله , رمته من يدها ,  صرخت وطلبت الغوث , وصعدت على السرير واقفة , فازعة , مرعوبة , فقد كان فيه عدد من الجرذان , التي انتشرت تتجول في الغرفة , بل خرجت وانتشرت في البيت , اما الذافي فشرع بالامساك بالجرذان , فتح باب الغرفة , فشاهد علامات الفزع على المدعويين , فقال بصوت عال (( شدو الجرذان ... ما تخافو منهم )) "مقتبس من خطاب للقذافي ".   

على حين غرة من الزمن , توفيت والدته , والتي سميت ب ( ام حظين ) , الحظ الاول انها ولدت القذافي , والحظ الثاني انها عاشت لترى وليدها على سدة الحكم في البلاد , حزن القذافي عليها حزنا شديدا , واحتار فيما يكتب على قبرها , فاستغرق الامر ستة شهور من التفكير , فكتب :- 

هذا قبر ام حظين    مدفونه كلش زين

لا دين ولا بعدين    انه تحبني الملايين

ومش من الداخل     من الامم الاخرى

من الجن والشياطين

وهكذا استأثر القذافي بالحكم , منفذا وعده بالانتقام من المجتمع , الاطفال والرجال دون النساء , واستعان بالمرتزقة لتنفيذ مآربه , وسرق اموال الشعب انتقاما لهم , لما فقد قطعة النقود تلك , واتهم شعبه بما كان عليه في طفولته  , شعب مقمل , وجراثيم وميكروبات ! .

ذات مرة , ذهب ابن القذافي للمدرسة , فعاد بعد ساعتين , وكانت ثيابه ممزقة , وجلده محمرا من علامات الضرب , وسالت منه بعض الدماء , فنظر القذافي اليه , تحسر وتأوه كثيرا , وتذكر ايام طفولته , فقال لابنه الاكبر ( لا تحزن , بل افتخر , هذا ميراث ابوك , ضربت كما كان يضرب ابوك , من نفس المجتمع ) , و زقّ لابنه جرعات الحقد والانتقام زقا , وقرر ارساله الى الخارج , كي يتعلم هناك , في افضل المدارس والكليات .  

فأنتفض الشعب ضده , انتفاضة تتناسب مع تاريخ الشعوب , فضاق عليه الخناق , واحتار في امره , فقد فلت من يده الزمام , فجلس يفكر بالطريقة التي يجب ان ينهي حياته فيها شخص مثله , ايهرب من سطوة الشعب الغاضب ؟ , لا مناص من الهرب , ام يموت رجما بالحجارة كما كان يرجم في طفولته ؟ , ام يداس باحذية الشعب الثائر حتى يلفظ انفاسه ؟ , ام ان لديه طريقة اخرى يموت فيها ؟ !!.