بردان وجوعان

يوميات لاجئ سوري

مصعب الشيخ ويس

الهواء يخترق ثقوب الخيمة  تشتد سرعته فيصبح ضيفاً ثقيلاً على حبال الخيمة حتى كاد أن  يقتلعها ........ يلتصق الصغار حول امهم محاولين البحث عن دفء مسافر .

ما أطول ليل المخيمات بصمته وظلامه ............إلا من ضوء يتراقص ألماً فلا ضوء هو  ولا نار ...... يزداد التصاق الاولاد

- امي انا (بردان ) .

تختنق الام  ويكاد حلقها ينفجر ........ دمع ينهمر بدون صوت .

-امي انا (جوعان ) قالها الاوسط .

لم تملك المسكينة الا تطويقهم  بذراعيها والاسى يجرح قلبها ........... وهي ليست بأفضل حالٍ منهم  فضيوف الليلة  هم من ابكى صغارها .

ترسل نظرات  في خيمتها علّها تتذكر شيئاً ............. يعود البصر خاسئاً وهو حسير .

ينجح صفير الهواء باحداث  الم في الاطراف الغضة ........... رفع الصغير صوته ....امي .....( بردان ) .

بداخلها رجاء ان يأتي زوجها ومعه  قليل من خبز  ............. وما يجود به الكرام .............. ولم يطل انتظارها حتى سمعت صوت خطاه متثاقلة .

-هل معك شيئ ؟؟

حصلت على علبة (بسكويت ) من جارنا .

قسمتها الام بين طفليها  واخذت تسمع من زوجها قصص المنكوبين .

-جارنا يقول : ان الامور قاربت على النهاية .

-انها نهايتنا ..... الا ترى حال الناس ؟ .

أخذ البرد بشحذ أدواته وجلس بينهم  ............كأنه يسخر من الجميع بقوله : هل لكم ان تطردوني ؟

شعرت الام بنعاس قوي ُيثقل جفنيها .......... مع أنها لم تكن ترغب بالنوم......  شيئ ما يدفعها اليه  .

********************

اصوات النساء تتعالى بالفرح ........ الرجال يتحلقون حول مائدة طعام بفناء بيتها .

سألت نفسها : لماذا كل هذا الاحتفال ؟.

سمعت صوت ابيها : اين الطعام ؟ ارسلي الى امك بعضه .... انها جائعة .

أبي إني مشغولة ..... ألا ترى الضيوف ؟

إذاً أرسليه مع ولدك إنها بانتظاره ؟.............. لم ترغب بارسال ولدها فهي خائفة عليه من الطريق وممكن لأمها أن تنتظر قليلاً فكلنا جياع .

كان صوت ابيها ملحاً على غير عادته .......فهو أبداً لم يستعجلها هكذا ؟؟............ حدّثت نفسها : لماذا لا  يأخذ الطعام اليها ؟

ألا يعرف أن الطريق غير آمن ؟ لماذا يستعجلني ...........لن أرسله.

صوت أبيها يبتعد وخيال عجوز  يتراءى لها من بعيد .............. لكن الصاعقة حدثت عندما تذكرت بأن أمها ماتت منذ مدة .

استيقظت فزعة  من رؤية  أذهلتها ولم تنتبه الى أطفالها الا بعد دقائق ...........حيث كان ضوء النهار ينبعث خجلاً متكاسلاً بين تلال َفرشَ الصقيع عليها ردائه البائس .

التفت يدها الى صغيرها خالد ........فكان أبرد من الثلج  ......وضعت يدها على عنقه فلم يكن أفضل حالاً من جسده الغض

صرخت ............. لم يسعفها صوتها ......... حركت زوجها .......... هزت ولدها بقوة ..........لكنه كان مبتعداً بروحه عنها ...........راعها زرقة شفتيه ........أكبت عليه .............. تسارع الى ذهنها حلمها بأبيها ............ ادركت أنه غاردها  متجمداً .

وعندما ارتفعت الشمس كان خالد( اللاجئ ) بمخيم دولة (عربية ) مجرد خبر بجريدة  ُكتب بحبرٍ  رخيص .