الحاسد

حيدر الحدراوي

[email protected]

حيكت الاساطير حول عيون شعباد السحرية , القاتلة , ورويت عنها الروايات , وقيلت فيها الاقاويل , حتى صار معلوما ان مقابل عيونه لا يصمد الحجر او الحديد , فبمجرد ان يرتاد شعباد السوق او الاماكن العامة , حتى تكاد تخلو من الناس والمارة , ويتوقف العاملين حتى يمضي في حال سبيله .

ذات يوم , اقترب شعباد من السوق , فما ان رأه رجل في مقتبل العمر , حتى توقف وتمتم بــ (( بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ{2} وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ{3} وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{4} وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{5} , فنظر اليه شعباد بريبة , فرح الرجل لانه لم يصيبه بسوء .

الرجل : عدت عله خير .

فجاءت ستوتة مسرعة , يقودها حدث السن , فدهس الرجل , التفت شعباد الى الحادث .

شعباد مستهزئا : عباله يخلص !!

شاع خبر قدوم شعباد في السوق , فعمد التجار لاخفاء بضائعهم , بينما اختفى البعض الاخر , فمر شعباد باحد القصابين , الذي كان جالسا في محله , فقال له :

شعباد : ماكو شغل ؟

القصاب : أي والله ماكو شغل .

شعباد : الكصابة ما تفيد بعد ... المجمد غزا السوك .

القصاب : جا شسوي ؟

شعباد : اليوم الحجي لهل الكهرباء ( مشيرا لعامل الكهرباء الذي صعد فوق عمود الكهرباء ) .. واهل النفط ( واشار بيده نحو سيارة تابعة لشركة النفط ) ... اهل الرواتب الزينة .

فما اتم شعباد كلماته , حتى احترقت السيارة , وسقط عامل الكهرباء الى الارض , فهرع الناس الى اخماد النار في السيارة واسعاف عامل الكهرباء .

القصاب : الله يستر !

تابع شعباد في جولته , فأقترب من محل بقاليات , فسلم على صاحب المحل , ولفت نظره مصباح غريب الشكل .

شعباد : منين جبت هذه الكلوب ؟

البائع : والله حصلته من واحد يشتغل بالقاعدة الامريكية .

شعباد : هل اكول ما كو مثله بالسوك ... بس اتكول فريخ شمس !

فأنفجر المصباح , وانصرف شعباد مبتعدا عن السوق , شاعرا بالالم العميق , يلوم نفسه , ويوبخ عيناه , حيث لم يبق له صديق او نديم , يتجول وحيدا , غير مرحبا به في المقاهي والمجالس العامة .

في طريق عودته الى البيت , لمحه شخصان , فقال احدهما :

-         وي هذه شعباد !

-         يمعود لتخاف منه .

-         انت تحجي صدك .. مو طيح حتى طيارات الامريكان ...

-         انت اتصدك هلحجي .

-         انت ما تشوف طيارات الامريكان كامت ما تمر منا

-         وهسه الامريكان خايفين من عيون شعباد

-         المهم .. خلي نختل بالدربونه ... لمن يجزي .

-         انت تحجي من صدكك .

-         يمعود انت عايف روحك .

                   ****************************************

في البيت , جلس شعباد مع ابنائه وزوجته , ابدا ابنائه وزوجته استيائهم من عادة ابيهم .

الاول : بويه شنو هذه الطبع

شعباد : جا هيه ابيدي !

الثاني: مو حته احنه كتلنه الفكر .

شعباد : ها .. جا انه الفاكركم

الاول : مو القصد ..

الثاني : بس امأثر علينه

الاول : لا نتوفق بشغل ... لا نكدر نحصل تعيينات مثل العالم

شعباد : جا انه شعليه ؟

الاول : مو عينك امدمرتنا

شعباد : كلولي .. شسوي ؟

الثاني : روح للشيخ عليوي

                    *************************************

رحب الشيخ عليوي بشعباد كثير , لم يظهر عليه علامات الخوف والارتياب .

شعباد : شيخنا .. انت تدري بوضعي .

الشيخ : أي .

شعباد : والله مو بيدي واريد اتخلص ... لازم عدكم انتم اهل العمايم طريقة .. جارة

الشيخ : والله هاي اتحير .. بس راح اكتب لك شغلا ت وانت التزم بيها

شعباد :  أي اكتبهن تره انه انسى

تناول الشيخ عليوي قلما وقرطاس , وكتب بعض الامور , لعلها تساعد شعباد وتخلصه من هذه العادة السيئة , في غضون ذلك , اخذت عيناه تجول في المكان , فوقع نظره على المروحة السقفية .

شعباد : شيخنا هاي منين جايبيها المروحة بيها اربع ريشات ...

قاطعه الشيخ بسرعة , وقال :

-         صلي على محمد واله محمد

-         اللهم صلي على محمد وال محمد

امعن الشيخ عليوي النظر في المروحة , فلم يحدث شيئا , فحمد الله واثنى عليه , وناول الورقة لشعباد , هامّ شعباد بالخروج بعد ان شكر الشيخ , في هذه الاثناء , سمع صوت جلبة وضجيج جاء من غرفة الشيخ , تابع شعباد تقدمه غير عابئا بما حدث للشيخ عليوي .

في طريق عودته للبيت , شاهد شعباد عمال الكهرباء قد استبدلوا المحولة القديمة بواحدة جديدة , امعن النظر فيها طويلا , والتفت لرجل بيته قريب منها .

شعباد : ناموا رغد .. محولة جديدة عبالك قوطية جبن .

الرجل : حجي يا رغد ... رغد بنت صدام

فأنفلقت المحولة , محدثتا ضجيجا تردد في الافاق صداه , وهرول العمال و الناس مبتعدين .

الرجل : اكو رغد من وره شعباد ! .

                           *****************************

صباح اليوم التالي , جلس شعباد ليقرأ ورقة الشيخ , مقابله كان يلعب احفاده , فقال احدهم :

-         شوف جدي عيونه اتزرزر .. جنه اسد !

-         جدي .. جنه اسد بابل صارله خمستالاف سنة

صرخ شعباد ممسكا قلبه .

-         كلبي ... كلبي

فتمدد على الارض كالخشبة اليابسة.