هكر!
حيدر الحدراوي
( لك حرية التعبير , ولنا حرية التهكير ) , اتخذ من هذه الكلمات شعارا له , يؤمن بها , ويرددها كثيرا في خلده , ويكتبها في يومياته , بل حتى في مغامراته , وعلى صفحات ضحاياه .
ذات يوم , جلس مقابل جهاز الحاسوب , لا ينوي فعل شيء , يتأمله ويفكر بأستحداث او تطوير امرا غير مسبوق , شيئا لم يجربه هكرا غيره من قبل , يفكر ويفكر ويفكر , الا ان والدته قاطعته , مناديتا اياه لتناول وجبة العشاء , نهض من كرسيه , يسير ببطيء , يحرك يديه يمينا وشمالا , تبدو عليه علامات الاستغراق في تفكير عميق , اتخذ له مجلسا حول المائدة , يحدق النظر بأخوته ووالدته وابيه , الذي كان يعد طبق السلطة , يقلبها في كل الاتجاهات , ثم صب فوقها قليلا من الزيت , بعد ذلك عصر ليمونة بقوة , فسالت قطرات عصيرها على محتويات الطبق , فجأة , توقف عن التفكير , كأنه قد وجد بغيته , في ما كان يبحث عنه , فترك المائدة واسرع نحو غرفته :
الاب : الى اين ؟
الهكر : سأتناول العشاء فيما بعد .
دخل الغرفة , واحكم اغلاق الباب من الداخل , اغلق الانارة , واشعل مصباحا احمرا خافت النور , فتح خزانة الملابس , وارتدى زيا غريبا , مخيفا , غلف به كامل جسده , ثم ارتدى قناع شبح , ذو قرون , وارتدى قفازات ذات شعر كثيف , كي يستمد الطاقة من عالم الظلام , عالم الشياطين , ويستلهم من ظلماته ما يلهم الجانب المظلم من العقل والفكر الانساني , ما يسلخ الانسان من انسانيته , ويجرده من قيمها , ويحوله الى مخلوق شيطاني بغيض ! .
شرع بتشغيل ثلاثة حواسيب امامه , الاول مفصول عن خدمات الانترنيت , وبدأ بتصميم برنامج وهمي , ثم جمع ملفات جلب تحديثات مجانية لخمس برامج مسجلة , توفر لها الشركات المصنعة التحديث اليومي مجانا , أستخلصهم و دمجهم ببرنامجه الوهمي بذكاء وعبقرية , فنجحت التجربة .
نقل البرنامج الوهمي الى الحاسوب الثاني , توفرت فيه خدمات الانترنيت , وبدأ العمل , وانتظر النتائج , هل ستنطلي الحيلة على الشركات المصنعة الخمسة ؟ ! , فكانت النتائج باهرة , لقد ارسلت الشركات المصنعة للبرامج التحديثات اليومية بشكل طبيعي , فيما يبدوا ان الحيلة انطوت عليهم , تنفس الصعداء , ونظر الى هيكل عظمي صغير بجواره وابتسم له , ابتسامة هكر منتصر .
لم ينتهي الموضوع عند هذا الحد , فليس هذا هو المطلوب , بل المطلوب شيئا اكبر , شيء اكثر خطورة , استخرج ملفات التحديث من البرنامج الوهمي , وبدأ يغير ويبدل فيها , يحذف ويضيف متوخيا الحذر الشديد , ببالغ الدقة والتأني , مراعيا منتبها لحدوث خطأ ما , خطأ ليس بالحسبان , من شأنه ان يعود عليه بما هو في غنى عنه , فشرع بوضع ايعازات او اشياء اخرى تحاكي حواسيب الشركات , فترسل شفراتها اليه بغطاء التحديثات المسموحة مجانا , بعد ان اكمل ذلك , ضغط على كلمة ارسال , وجلس ينتظر , متسائلا هل ستنجح الخطة ؟ ! .
ينتظر ويحدق في الهيكل العظمي , بقلق وارتياب , الى ان سمع صوت اشارة , فنظر الى الحاسوب , كانت اشارة رفض من شركتين , فظهرت عليه علامات الاحباط و التعاسة , تعاسة هكر ماكر ماهر , لكن الامل لا يزال معقودا بالشركات الاخرى , لقد تأخر الرد طويلا , وعلى حين غرة , استجابت الشركات الثلاثة الاخرى , وبدأت بأرسال الملفات المطلوبة , من غير وعي او انتباه الحراس , عابرة حواجز الامن والامان , فقفز من كرسيه فرحا , وشرع يرقص طربا , رقص هكر شيطاني مريع , يداعب الهيكل العظمي , ويراقص صور الجماجم والاشكال المريبة المعلقة على الحائط .
يعود ليكمل ما قام به , هذه المرة مع الحاسوب الثالث , فيدخل الى موقع احدى الشركات من خلاله , بواسطة ما وصل اليه من شفراتها , ويستعمل الحاسوب الثاني للدخول الى شركة اخرى , ويترك الشركة الثالثة بعيدا عن مرماه , يغير ويبدل ويأخذ ما يريد , ويحذف ما يرغب , واخيرا يغلق ويقفل الموقعين , بعد ان يقوم بأرسال ملفات التحديث والملفات المشبوهة الى موقع الشركة الثالثة , ويمسح من حاسوبه كل الملفات التي تمكن من تعقبه اوالوصول اليه , وبدلا عن ذلك , يرسل ملفات تعقب خاصة من صنعه وتصميمه الى الشركة الثالثة , فتقع في الفخ .
ينهض من كرسيه فرحا مسرورا , يقصد المطبخ , فيعد لنفسه كوبا من الشاي , وهو يرقص ويغني اغاني الهكر , اثناء ذلك يستيقظ الام والاب لاداء صلاة الصبح , سمعت الام اصواتا تصدر من المطبخ , وقفت على الباب , واسترقت النظر , فهالها ما رأت , وصرخت صرخة رعب , واغمي عليها , جفل الهكر عند سماع الصراخ , فألتفت نحوها , سقط كوب الشاي من يده , واسرع اليها , وضعها في حجره , محاولا إفاقتها , وهو يصيح محزونا ( امي .. امي .. ما بك ! ) .
يسرع الاب بدوره لتقديم النجدة , فوقع بصره على تلك الخلقة المريعة , وحدق في ذلك الوجه الشنيع , وتلك القرون الطويلة , فحمل جهاز التلفاز , وتسلل من الخلف , وضرب به رأس الهكر , فسقط مغشيا عليه , تسيل الدماء على جوانبه .