أمومة

أمومة

د. مرفت محرم

يقولون القط بسبع أرواح؛ أما البنى آدم فروحه فى أنفه؛ دفعته الغيرة من هذا الكائن الصغير؛ الذى يمتلك قدره عجيبة على الإفلات من الموت؛ إلى تقمص الصوت؛ فانتابته حالة من المواء؛ وهو يواجه كارثة الغرق.... لم يسمعه أحد؛ فعاد إلى الصراخ والصخب:

ـ أغيثونى... إنى أغرق... إنى أغرق

بعد سنوات من تلك الحادثة؛ هاهى قطته البائسة؛ قد رزقت بسبع قطط؛ فامتلأت الشقة بتسعة وأربعين روحاً؛ ينظرون إليه شذرا وكأن البيت بيتهم، وهو المتطفل عليهم!

اتخذ قرار عقاب الأم التى خربشته؛ عندما أراد أن يداعب القطط الصغار، ويربح تعاطفهم معه، على اعتبار أن وجودهم؛ تعويض له عن الأولاد؛ الذين شاء رب العباد؛ أن يحرمه منهم

فوضعها فى زكيبة، وحملها كالحقيبة، وألقاها فى صحراء؛ حيث لا زرع ولا ماء؛ وعاد نافضاً يديه من الغدر والعار؛ الذى لحق بهما فى وضح النهار

وبعد أن قضى بعض الوقت فى التجول والشراء؛ عاد إلى شقته الغراء؛ ليجد قطته فى عقر الدار وحولها الصغار؛ فرحين بعودتها؛ وهو واقف على الباب بحمله الذى معه؛ تخترق جسده رصاصات عتاب توشك أن تصرعه .

               

ثمن اللقاء

لم يكن يدور بخلدها؛ أن ولدها الذى أثبت تفوقه فى الماراثون التعليمى الطويل والمكلف والشاق؛ سيجلس فى البيت؛ منتظراً عملاً يناسب ما يحمله من شهادات وأوراق!

لقد ترك لها والده ـ رحمه الله ـ رصيداً كبيراً فى أحد البنوك التجارية؛ وأضحت فوائده لا تفى بمتطلباتهما المعيشية

ففى ظل ارتفاع الأسعار، وانخفاض سعر الفائدة؛ رأت تلك الوالدة؛ أن تسحب الرصيد؛ لتنفذ مشروعاً جديداً؛ يديره ابنها الوحيد وهو خير من يدير؛ فيعود عليهما بالخير الوفير....

هداها التفكير لتلك الفكرة؛ فقادتها قدماها إلى البنك؛ وأثناء جلوسها؛ فى انتظار دورها؛ وقع نظرها على الجالس بجوارها؛ شاب وسيم فى عمر ابنها، يبدو عليه مظاهر الثراء، ويشع من عينيه بريق الذكاء....

 تآلفت الأرواح من النظرة الأولى؛ وبدأ هو بالحديث إليها حديث ود وصفاء؛ فأخبرها أنه جاء لسحب بعض أمواله لعمل توسعات جديدة لمشروعه التجارى الناجح؛ سعياً وراء المزيد من النجاحات؛ ثم أبدى إعجابه بها؛ وبأناقتها وحسنها وثقتها فى نفسها؛ وشعر بعاطفتها نحوه تزداد توطداً وارتباطاً

جاء دورها؛ فسحبت رصيدها، ووضعته فى الحقيبة؛ وهى سعيدة أيما سعادة؛ وقبل أن تنصرف إلى بيتها؛ وجدت الشاب فى انتظارها؛ فمنحته رقم جوالها؛ ليكونا على اتصال

عاونها على الخروج؛ وودعها وداع الحبيب للمحبوب؛ فبادرته فى الحال بإشارة تأكيد على رقم الجوال

عادت وفاء إلى منزلها؛ وصورة أحمد تلازمها، والسعادة تفرد جناحيها لتحملها إلى عالم من الخيال؛ الذى أضحى قريب المنال؛ فقد وفقها الله بالتأكيد؛ إلى من سيساعدها فى تنفيذ مشروعها الجديد؛ وقلب تبحث عنه منذ زمن بعيد...

دق الهاتف.... فتحت .... سمعت

ـ صباح مشرق سعيد؛ أشكرك على ما حققتيه لى من سعادة؛ بحثت عنها طويلاً؛ لن أنساكِ أيتها الحبيبة؛ سأسافر الآن فى رحلة عمل، وعند العودة سأعاود الاتصال ... سلام

صوته الرجولى الحنون؛ ظل يتردد على مسامعها حتى بعد أن أغلق الخط؛ ثم اتجهت كفراشة حالمة نحو حقيبتها؛ فوجدتها خاوية.