هرب النوم
ميّة محمد مجاهد شعبان – سورية
كان الوقت ليلاً عندما قرر أن ينام.. لم يكن الليل هو الذي دعاه إلى النوم لأن الليل والنهار عنده سواء..
فلا الشمس يبصرها فيستنير بضوئها، ولا القمر يراه فيأنس بنوره.. لكن ما ذكّره بالنوم هو عيناه اللتان خبا فيهما البريق الذي كان يميزهما، وجفناه اللذان لم يطبقا من أكثر من يوم.. وربما يومين، وربما أكثر.. لا يعلم..
نظر إلى السرير الذي كان أسود اللون.. كل ما فيه أسود حتى الملاءة والغطاء اللذين تكورا دون ترتيب.. تذكر سريره السابق حيث النظافة والترتيب.. كم كانت أمه تطلب منه ترتيب سريره كل يوم! وكم كان يحتج بتأخره عن العمل ليتهرب من هذه المهمة!
كانت تعلم أنه تبرير يقوم بعده ليلعب بفأرة (الكبتار) فيضرب بها هنا وهناك قبل أن يذهب إلى العمل، لكنها (تحوقل) وتدعو له بالخير وهي تقوم بتلك المهمة.
"ما أعذب تلك الكلمة.. كلمة (أم)! ما تراك تفعلين الآن يا أماه؟ كم دمعة سكبت لبعدي عنك؟ كم فجعك فقدي؟".
ببنانه داعب خده ليمسح قطرة سكبتها عيناه..
جلس على طرف السرير.. لقد كان هذا السرير صديقاً لم يختره بإرادته.. فالغرفة مقفرة إلا منه.. جدران أربعة تنبعث منها روائح الرطوبة والعفن، وباب حديدي توسطته نافذة صغيرة، وسرير..
حرك شفتيه ببعض الأدعية.. تلك الشفتان اللتان تنطبقان أبداً إلا في صلاة أو ذكر..
عندما لم يجد بداً من النوم استلقى برفق فأصدر السرير أزيزاً خافتاً يرحب بصديقه..
عيناه ترفعان الراية البيضاء وتحاولان الاستسلام للنوم، لكن قلبه يرفض ويأبى: "ابتعد أيها النوم، كلما جئتني بالأحلام ازددت يأساً.. فلكم تمنيت أن تظل معي وتظل أحلامك.. لكنك تأخذها وترحل متى تريد.. وتتركني مع يأسي وحزني.. لم أعد أرغب أن تأتيني أبداً".
استسلمت العينان.. لم يستطع القلب أن يقاوم أكثر.. بدأ يعلن استسلامه شيئاً فشيئاً.. لكن..
صوت خطوات تدنو من غرفته.. جعل النوم يهرب بعيداً.. توجس خيفة.. انكمش على نفسه في السرير.. ارتجف قلبه.. توالت الأفكار مسرعة في ذهنه..
ذكر كل ما يمكن أن تأتي به هذا الخطوات إلا شيئاً واحداً.. لكنه كان هو..
ذلك الشيء الذي جعل جفونه تتباعد علوّاً.. وشفتيه تحمدان الله جهراً.. ورجليه تسبقانه إلى الباب..
عاد الأمل إلى نفسه فسيطر عليها حتى صرع اليأس وكل ما كان يملأ نفسه..
إنها السعادة التي أنعشت روحه عندما قيل له: (السجين 703.. جاءتك زيارة!).