الخذلان

علاء سعد حسن حميده

علاء سعد حسن حميده

باحث مصري مقيم بالسعودية

[email protected]

ارتباطه بها ارتباطا مصيريا.. هكذا نشأََ معاً ، لم تتجاوز علاقتهما تبادل النظرات التي اختزلت بينهما كل شيء..هي له وهو لها ، لا مناص من ذلك ، فهو منها وهي منه ..

في ريعان شبابه آلت ملكية المنزل الذي يسكن فيه إلى امرأة لعوب ، كونت ثروتها الطائلة من عمل مشبوه وعلاقاتسيئة السمعة ، لم تكن مجرد مالكة جديدة للمنزل ، 

وإنما كانت تعامل من حولها كملكة آمرة ناهية ، وتعاملها حاشيتها كأكثر من ملكة!

وهو شاب وسيم ممشوق القوام قوي البنية مثقف الفكر  مستقبله أمامه اشتهر بنزاهته واستقامة خلقه، وإن كان بالكاد يملك قوت يومه..

شاب في مثل وضعه كان مطمحا لها أن تحتويه، حاولت بكل ما لديها من سلطة ونفوذ ومال.. لكنه استعصى على الخضوع..

ظلت المعركة بينهما سجال، كان يثخنها بالجراح .. مجرد صموده رغم عذاباته وآلامه، أصابها بالجنون.. لصموده العبقري روافد كثيرة منها بالتأكيد تلك النظرات النورانية التي كانت تكبر معه وتكبر فيه..

كانت داعمة له في كل نضالاته السابقة.. وعندما كادت الملكة – إن صحت تسميتها كذلك – أو السلطانة كما كان يلقبها خدمها، أن تلتهمه، عاونته هي بكل كيانها لم تكتفٍِِ بالنظرات الحانية..

سكان آخرون في االمنزل العتيق تأففوا من الجرائم التي ترتكب فيه دون توقف فهبوا لتطهيره، وكانت هي تدفعه بما عهده عندها ليلتحم بالثائرين على الظلام وجرائمه ويقودهم ويوجههم بما يمتلكه من مواهب شابة وصمود وقدرة على التحدي والمواجهة..

ونجح السكان في اثبات جنون ( السلطانة ) واستطاعوا أخيرا نقلها بصعوبة بالغة وتضحية جسيمة إلى مستشفى اﻷمراض العقلية فقد وصلت في جنونها إلى مرحلة عبادة الذات، وقد أصابتها لوثة صورت لها أنها اﻹله!!

ابنتها الشابة شديدة الجاذبية والجمال ساعدت السكان في اللحظات اﻷخيرة لاحكام السيطرة على الموقف.. في هذه اللحظة بالذات أو ربما في اللحظات التالية، تقارب الشاب والملكة الجديدة غير المتوجة، ﻷنها لم تسلك مسلك أمها، بل أعلنت أنها ستسعين بالشاب الفتي ليمسك بزمام اﻷمور في المنزل بمباركة السكان جميعا!!

في هذه اللحظات نسي النظرات النورانية، خبا وهج ثناها في قلبه.. فانطفأت كل المصابيح.. سيّرته الملكة الجديدة الشابة كما شاءت، ورودته بفتنتها ورقّتها ونعومتها فنجحت فيما فشلت فيه أمها..

لم تكن تريد أن تحتويه.. وإنما كانت خطتها أن تحرقه امام السكان جميعا، ثم تلقيه بعد ذلك تنهشه الكلاب..

كانت وحدها هي التي فطنت لخطتها، ربما حركتها غيرتها عليه، وربما حركها حبها الأزلي القديم المتجدد.. كشفت له خطة غريمتها، وساعدته بكل كيانها من جديد ليسترد مكانته بين السكان بعدما كادوا ان يفتكوا به.. اشترطوا عليهما ضوابط حتى لا تتلاعب به الملكة الشابة الناعمة من جديد.. وضعت هي رقبتها أمامهم وقالت أضمنه برقبتي.. ولن يخذلني ..

اﻷيام  تمر .. يتراوح بين ملكة القلب وملكة المنزل.. والسكان ينظرون إلى حبيبة القلب في اشفاق ويتهامسون في ألم: الخذلان!