أحمد.. والشبيحة

أحمد.. والشبيحة

نعمة احمد

كان جالسا على مكتبه في الدكان الذي استأجره حتى يكون مقرا لعمله, كانت الكتب تملؤه, من فوق الأرضية بثلاثين سنتيمترا حيث الرف الأول, الى ما أسفل السقف بعشرين سنتيمترا حيث الرف الثامن , مرتبة ترتيبا دقيقا و مصنفة بين كتب دينية كتفسير ابن كثير و صحيح البخاري, و مؤلفات الغزالي و القرضاوي, و كتب تاريخية كالكامل في التاريخ و أخرى متنوعة كمؤلفات مالك بن نبي و العقاد و طه حسين و هناك رف خاص يحتفظ فيه ببعض الجرائد التي عفى عليها الزمن و اصفرت اوراقها. أما بقية الرفوف فكانت بها مؤلفات باللغة الفرنسية و الانجليزية خاصة الروايات البوليسية لآرثر كونان دويل .

 كانت الجدران بيضاء اللون , و المكتب في زاوية من الدكان عليه اوراق متناثرة بشكل يوحي أن صاحبها يشعر أنه لم يستطع السيطرة على وضعه بشكل كامل, ربما لأن فكره كان مشتتا. اذا ما فتحت الدرج الوحيد بالمكتب ستجد فيه مصحفا لا أثر للغبار عليه مما يدل ان صاحبه يقرِه باستمرار.

 صاحبنا هذا شاب يدعى أحمد في ريعان شبابه,ذو شعر شديد السواد و بشرة تميل الى السمرة و قد معتدل, عيناه تبدوان متعبتان و و يخفي تعبهما تلك النظارة الطبية التي يضعها, أما ثيابه فيبدو انها متناسقة و تناسبه.

 أحيانا ترى شخصا يدخل دكانه و يخرج منه بعد عشر دقائق تقريبا,أما سبب دخول شخص ما دكانه المتواضع , فلأنه قد علق عليه لوحة كتب عليها: ترجمة رسمية. و هذا قد يفسر لنا سبب اهتمامه باقتناء كتب باللغات الاجنبية.

 عندما تحين الساعة السابعة مساءا, يغلق دكانه من الداخل و يخلد للراحة في غرفة خلفية بها سرير متهالك.

 أحمد أعزب و مسؤول عن الانفاق عن أمه و اشقائه الذكور الثلاثة وشقيقتيه فهو بكر والديه و هذا بعد وفاة أبيه في حادث عمل.

كان يسمع عن تلك المظاهرات التي تهز ارجاء "درعا" اين كان مقر دكانه, و لكن لم يهتم لها , فقد قال في نفسه ما هي إلا كتلك التي تخرج لبضعة أيام ثم تخمدها قوة الشرطة و جبروتها. و مع مرور الايام لاحظ أحمد أن هذه المظاهرات ليست كغيرها انها تستمر رغم ما يقوم به "رجال الأمن" من ارهاب و قتل و بطش بالمتظاهرين , و لا ينتهي يوم إلا و ترى الجرحى و القتلى و مظاهر البؤس بادية على السكان لما يلاقونه من بطش من "حماة الوطن", فقال في نفسه ذات يوم و هو يشاهد هذه المأساة على احدى القنوات لو ان فكتور هوجو كان حيا لكتب جزءا آخر من كتابه البؤساء. لم يكن احمد ليكذب نفسه - و هو الذي نأى بجنبه عن السياسة – هذه المرة , فقد بدأ فعلا يتعاطف مع المتظاهرين و يؤيد مطالبهم, و في نفس الوقت مقت مقتا شديدا هؤلاء الذين يعتدون عل العزل من الشعب.

 كان احمد يعمل في مكتبه كما هي العادة عندما سمع ضجيجا في الخارج, فخرج يستطلع الامر فإذا بالمظاهرات قد وصلت الى حيث الحي الذي يعمل به, و "رجال الأمن يطلقون الرصاص على المتظاهرين و الشبيحة تشاركهم المجزرة , و كل هذا بمباركة من فوق حيث اعلى سلطة في البلاد. و فجأة رأى احمد أحد الشبيحة يدخل دكانه و يعيث فيه فسادا , يمزق الكتب و ما ترجمه أحمد لمدة شهرين كاملين, فغلى الدم في عروق أحمد و احتج على مافعله الشبيحة فقام هذا الأخير بطرحه أرضا , و لما حاول الشاب المسكين النهوض طعنه بخنجر فشق بطنه. و هكذا أسلم أحمد الروح . انتبه أحد المتظاهرين على ذلك فغطى احمدا بإزار و قام صاحب البقالة المجاورة بالاتصال بأهل الشهيد . بعد ساعتين قدم شقيقه الذي يصغره بسنتين ودفنه بأحد المقابر القريبة ليتسلم هو مسؤولية الاسرة .