هب هب هب... الأزرق* هرب
هب هب هب... الأزرق* هرب!
رضا سالم الصامت
شعر أهل البلد منذ سنوات ، بالظلم المسلط عليهم من قبل عصابة الإجرام* التابعة لحاكم متغطرس يدعى لزرق" الأزرق "* الذي عاث فسادا في البلاد و العباد ، ففي كل يوم و من الساعات الأولى تهاجم هذه العصابة مساكن الفلاحين من أهالي البلاد و يشعلوا النار في كل بيت و لا يتركوا فيها أي شيء يتحرك ويعذبوا النساء اللواتي يلبسن على رؤوسهن الحجاب و يمنعوهن من ارتدائه بل و يلتزمن على عدم مغادرة البلاد إلا بتصريح من العصابة التي أفتكت أملاك الناس و سرقت و نهبت أرزاقهم و قتلت الشيوخ و أعدمت الأطفال دون رحمة و لا شفقة ، و استفزت الرجال الذين هم في ذلك الوقت بالمساجد يؤدون صلاة الفجر، ويسبحون بحمد الله في كل يوم ، الذي ينساب فيه نسيم الصباح إلى البيوت الوادعة، و المسالمة ، يدعون الله العلي القدير بأن يلطف بهم و يحميهم من هذا المتغطرس و عصابته المجرمة التي تنتهك الحرمات و تقتل الأبرياء العزل و تسفك الدماء البرئية و تذبح الأطفال هكذا بدون ذنب اقترفوه ، فأحس أهل البلد بالظلم و الخوف و لم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم فظلوا يندبون حظهم التعيس و يبكون لدرجه غاب عنهم العقل وأصبح كل منهم يحتاج إلى من يقف بجانبهم لتغييرنمط حياتهم.
لقد كان أهل البلد يعيشون حياة بسيطة رغم فقرهم و كانوا سعداء يحمدون الله على ما يكسبون، لأنهم يعملون ليلا نهار بجد و كد و ينفقون المال الحلال من كسب رزقهم بعرق الجبين
الحاكم الأزرق لم يعجبه هذا ، بل يريد منهم أن يدفعوا نصف ما يربحونه للدولة كضريبة تضامن * و هم يكذبون و عندما رفضوا ذلك ، أصبح هذا الحاكم المستبد يفتك أرزاقهم ويعاقب أبنائهم و يعذب نساءهم و يسجن رجالهم و يقتل بعضهم و يستغل خيرات البلاد و ثرواته لوحده و دون رادع أو رقابة
ذات يوم طفح الكيل و بلغ السيل الزبى ، فخرج أهل البلد كرجل واحد في كل شارع و قرية و مدينة ، في مظاهرات حاشدة احتجاجا على ما جرى يطالبون بالثأر، ويهتفون بسقوط الطاغية " الأزرق" و عصابته * ، يجوبون الشوارع منددين بأفعال الحاكم و غطرسته و استهتاره . وبمجرد سماع هدير الأصوات الغاضبة اضطرب الأزرق و قدم أوامره بسحق المتظاهرين و إبادتهم عن بكرة أبيهم ،بل هددهم و نعتهم بالأوباش و قال لهم إني " فهمتكم " لكن عصابته أما الكم الهائل من الشعب الثائر فشلت و فيهم من هرب ليعود خائبا لحاكمه الأزرق الذي لم يتوارى على إعدامه في الحال
امحمد* الذي صادروا بضاعته و هو شاب فقير ، طرحوه أرضا و أشبعوه ضربا و ركلا و أهانوه و هو بين أقاربه، من شدة القهر ، أخذ البنزين و سكبه على جسمه و أشعل النار احتجاجا على ما يجري من ظلم و استبداد فاحترق و مات ، أما زهرة شابة كما يسميها بعض أبناء بلدتها و هي طالبة في الصف الثالث الثانوي، تتقدم الصفوف الأمامية في المظاهرات، وتهتف رافعة يدها اليمنى وهي تردد أمام الجموع .أنت و عصابة الأنذال يا الأزرق ارحل.... وبالروح بالدم نفديك يا بلدنا
تقدم نحوها البوليس* وقال لها : أيتها السافلة ينعل أبو إلي خلفوك قولي: يعيش حاكمنا الأزرق
وإلا كسرت يديك و فقأت عينيك . فرد ت عليه قائلة مستهزئة : آه ، لو كسرت يدي و فقأت عيني فلن أقول يعيش الأزرق حاكمنا ! فقال لها : و إن قطعت لسانك ! قالت بضحكة كلها سخرية : ههههه و الله لن أقول يعيش الأزرق حاكمنا
ثم قال مرة أخرى : و إن قتلتك بالرصاص ؟ قالت : وهي مرتفعة الهامة ، أموت شهيدة ، و لكني حرة و لن أقول يعيش الأزرق حاكمنا ، بل أقول أشهد أن لا اله إلا الله ، محمد رسول الله . إن الله معنا
امتعض الجندي من كلام زهرة ثم فكر قليلا و تركها و شأنها . سار باتجاه شارع آخر، ثم التف عائدا إلى شارع الحرية فوجد زهرة مرمية الى جانب الطريق تتخبط في دماءها ، قد استشهدت من لحظات
نظر بإعجاب إلى جثتها و انحنى احتراما لها و لموقفها الشجاع ، ثم نزع بدلته النظامية و أعلن للعموم انه مع المتظاهرين من أبناء بلده من الثوار
فرح المتظاهرون بهذا الجندي الذي ثاب إلى رشده و شيئا فشيئا اتبعه عدد آخر من زملائه في الأمن وازدادت المظاهرات أكثر دعما و قويت و قلت أعداد عصابة لزرق الذين تراجعوا إلى الوراء …دخلت المظاهرات منعرجا حاسما ، في داخل الأسواق …و انتشرت في الأزقة و في كل شارع …وتفرقت عصابات الحاكم الأزرق …و صعدوا الأسوار …و أصبح فيهم قناصة يقتنصون الشباب ببندقياتهم ، فمات البعض من الشباب و جرح الكثير
في الأيام الموالية ازدادت المظاهرات أكثر عنفا و دموية و سارع الناس إلى دفن موتاهم في مقابر جماعية و سط أجواء متوترة و حرائق مختلفة في الإدارات ذات السيادة و في مخافر الشرطة و بعض المؤسسات الهامة ، ودخلت البلاد في منعرج أمني وسياسي عصيب فمسلسل حرق المراكز والمنشئآت تسارع بشكل مذهل والمعطيات تهاطلت بوتيرة غير عادية ، تشير إلى الاستيلاء على كمية كبيرة من الأسلحة وسفك دماء الشهداء جراء ذلك وانطلق عدد كبير من الملثمين في عدد من المدن يحرقون المساكن الآمنة و في الشوارع يدفعون الناس نحو العصيان والإطاحة بنظام " الطاغية لزرق
ازداد ارتباك الأزرق إلى درجة اليقين في تدبير مخطط لاغتياله حين وردت عليه في تلك اللحظات معلومات أمنية تفيد بأن مروحية ثانية تحلق في أجواء القصر واقتراب زوارق بحرية في اتجاهه ، كانت هذه المعلومات حافزا قويا لحث الطاغية " لزرق" بمغادرة القصروكانت الطائرة في انتظاره
"كان يوما مشهودا ، عندما شاع في البلاد كلها خبر مفرح كهذا... هروب الحاكم الدكتاتور" لزرق " الذي أصيب بالذعر والارتباك فقرر في اللحظات الأخيرة الهروب رفقة عائلته خشية وقوع مؤامرة قد تودي بحياته. وهرب الأزرق و أقلعت الطائرة من غير رجعة
و مثلما يقول المثل العامي : الكلب ينبح على طيارة ،; و كأني بالحاكم الأزرق ينبح هو الآخرعلى طيارة ، لكي يهرب ..و يفلت من العقاب هب هب هب ..... الأزرق هرب....
الحاكم - الأزرق أو لزرق* : كنية تطلق على الرئيس المخلوع بن علي
امحمد*هو البوعزيزي الذي أحرق جسده فكان مفجر ثورة 14 يناير 2011 و بدء ربيع الثورات العربية
عصابته * : المقصود بها عائلة الطرابلسي و أصهار المخلوع
تضامن * و المقصود به صندوق التضامن المزعوم 26 -26
البوليس* رجل الأمن في عهد بن علي و جماعة التجمع الحزب المنحل