الأفاعي والناس

الأفاعي والناس

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

مرت على الرجل والذي كاد أن يشارف على الستين من العمر , ليلة مرة وقاسية لم يستطع النوم فيها , يتابع الأخبار لحظة بلحظة , وكل خبر يسمعه تزيد من آلامه , وبتوالي هذه الأخبار المتراكمة , جعلته في حال من الجمود العقلي مع جمود عاطفي , يحاول البكاء , ولكن لاجدوى , ينظر حواليه لايجد من أمامه إلا جدار اصمت كعقله وحاله في ذلك الوقت , ليس أمامه إلا متابعة الأحداث , لعله يطل الفجر وتطلع شمس النهار , لم يستطع النوم . عندما حاول الخروج من الجمود الذي أصابه , لعل أعصابه ترتاح قليلاً , يغمض عينيه , ولكن صور تعقبها صوراً , عن أطفال ذبحوا في قرية الحوله التابعة لحمص , يفتح عينيه لافرق عنده , هي الحالة نفسها , القلب يتقطع ,الدماء النازفة يشعر فيها كانها تجري من عروقه مقذوفة خارج جسمه , أصواتهم وصرخاتهم وتوسلاتهم في أذنيه , صوت يقول اجعل السكين حادة أرجوك ياعماه حتى لاتؤلمني عند الذبح ,وفتاة تقول بترجاك ياعمو لاتذبحني فذبحها وهو يضحك .

في تلك الغابة وجد وكر للأفاعي منذ عقود عدة , كان عددها قليل وأثرها بسيط , ولكن لما رأت الناس من حولها لاتعيرها اهتمام , ولا تشعر بخطرها , فتكاثرت تكاثراً مضطرداً , وانتشرت بين الناس , تختار منهم ماتريد فمنهم من تبلعه ومنهم من يهرب منها , ومنهم من يواسيها ويقدم لها حتى بنيه .

مئات الآلاف من الناس ذهبت ضحيتها , وليس أمامهم إلا الدعاء بالسر , حتى لاتسمع فيهم الأفعى .

الرجل هرب من لدغات الأفاعي منذ سنين طويلة , ولكن بعد ان ابتلعت نصف أهله , كان طوال هذه السنين يفكر بوسيلة للقضاء على هذه الأفاعي المنتشرة في غابته الجميلة , والتي تحولت بعدها لغابة لاتفوح منها إلا الروائح الكريهة ونفثات السموم الصادرة عن تلك الأفاعي .وضاق الناس ذرعاً فيها وهبوا للخلاص منها والقضاء عليها .

ولكن هذه الأفاعي جمعت كل حيايا الدنيا معها من شرقها لغربها وشمالها لجنوبها , والناس تحاول الوصول لمقرها في وكرها , فالأفعى لاتموت إلا بقطع رأسها .

الرجل حزين جداً فهو يرى في أم عينيه الطريق  السالك والحلقة الأضعف في حماية رأس الأفعى , ويعرف ان الطريق سالك , وبأقل الخسائر والتكاليف .

هو حزين على كل نفس بريئة تزهق , ولو تم سلوك الطريق الذي يعرفه , ماكان في مقدرة تلك الأفاعي أن تقتل الأطفال والنساء في مدينة الحولة .ولا غيرها ولكان قد تم التخلص منها .

الرجل ضعيف ولا توجد له قواعد مادية تدعم موقفه وخطته تلك .

فقال نعرضها على المخلصين , والأصدقاء والمقربين , وعلى المقاتلين , وعلى المعارضة

ولكن كل يغني على ليلاه وليلاه هو الأفعى.... والأفعى لها فائدة عنده فالتبقى ...يكفيه دقائق يتحدث والعالم والمقربين يرونه في الاعلام المرئي وغيره , فهو يشعر بالنقص , وعندما يتم القضاء على الأفعى فلن يجد له مكاناً يجلس فيه .

هو لايريد أن يبكي , أو يندب حظه أو يدعوعلى هؤلاء الأحناش , فلا فائدة من كل هذا , الفائدة هي تكمن فقط في التخطيط والعمل وتجميع الوسائل واستخدامها في مكانها الصحيح , فما فائدة البكاء لنفس بريئة قد أزهقت , وما فائدة الدعاء بدون الأخذ بالأسباب والمسببات .

هو فقط يبكي لأنه وقف بجانب مجموعة من الذين يبذلون كل غال في سبيل القضاء على ذلك الشر المستوطن , ولكن تنعدم عندهم الوسائل اللازمة لذلك , فقال لهم أنا مسافر لبعض الوقت , لأجلب لكم الوسائل والتي تمكنكم من قطع رأس الثعبان الكبير , وتطهير البلاد من شرها المستوطن لعشرات السنين .

وخاب ظنه ولم يجد من يقدم له تلك الوسائل , فقد  شعر من طبيعة الرد أو عدمه أنه لاأحد يريد إلا بقاء هذه الأفعى ومن معها , ودليله هو : أنه لايمكن الوصول لذلك المكان إلا بتنفيذها , ولكن جعلوها في غياهب الذكريات المدفونة .