على لظى الإضراب

على لظى الإضراب

جمانة الجعبري

يلكزه برجله ويسأل بصوت قادمٍ من القبور: إنتَ حي ولا ميت؟؟؟

-         ضايلي شحطتين وبطفي

-         دخيلك طول بالك

-         حاسه من الصبح بحوم حوالين راسي، إذا ربنا أخد أمانته وضليت لحالك هون ما تضعف وخليك ثابت المعركة كبيرة

-         الله يخليك طلع هالأفكار من راسك وخفف حكي خلي قوتك معك محتاجينها... ويزحف نحوه بتثاقل ويكمل: حاول تنام وهات أيدك... ومش تموت!!!

وفي الغرفة المجاورة سهرة فنية صباحية بعد نومٍ امتد لشبه يوم من شدة التعب: هو الحق يحشد أجناده ويعتد للموقف الفاصل ... فهبوا الكتائب آساده ودكوا به دولة الباطل

 ويهتف ثانٍ: يما مويل الهوى يما موالية ... ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا 

  يقطعها صوت أحدهم هاتفاً:  يا حبايب اليوم في مسيرات حاشدة بالضفة وفي إخراج لبعض إخواننا من العزل.

الله اكبر ولله الحمد ويبادر بعضهم بالسجود، يقصم ظهورهم التعب والإعياء ويرفع رأسه شامخاً إذن سنمضي حتى نهاية هذه المعركة..

 وتستأنف الجوقة حفلتها بصوتٍ يشبه صوت شريط قديم ابتلع جهاز التسجيل جزءاً من أمعائه فتداخل حابله بنابله.

وعلى سرير العيادة  المحاط بالجنود يقاوم ببقايا قوة لا زالت تحتفظ بها أوصاله يدافع عن قراره  بكل ثبات، وفي النهاية تتم السيطرة عليه ويكبل بالسرير ويحقن ببعض ماء الحياة بالقوة، فلا يملك إلا أن يغض الطرف ويغمض عينيه على دموعٍ تجمعت في محجريه وتأبى عليه نفسه إطلاقها أمامهم فما لهذا دخل هذه المعركة...

وعلى البرش إذ يرتمي بجسده النحيل حد الخوف، يعد أضلاعه ويتفحص جسداً ذوى كرامة ويسأل صاحبه يا ترى تشيف حالها المعدة جوا ... يا زلمة أنا لو محلها انتحرت زمان.

-         الله يخلينا اياها لولا وجودها ما عرفنا نعمل شيء...

-         يا زلمة بلا منها لما تذل صاحبها كِلِتْها أحسن.

-         ولما تكون هي السلاح الوحيد وسبب في عزة صاحبها و انتصار إرادته على سجانه وواقعه حتى تحقيق مطالبه ساعتها بقول الله يحفظها ويخليها ... بس احكيلي شو جاي على بالك تاكل 

-         لليش هالتعذيب هسة؟!! وتدور في رأسه الأفكار وتشتعل فيه الروائح ويستأنف: جاي على بالي أوتشل تشل اشي... تشعتش بيظ أكلتش خبيزة اللي عمري ما حبيتها بس نطلع من هان منصورين.

-         يحرء حريش هالأتش هاي ولك مين اللي اخترعها وكيف بتميزوا متى تستعملوها

-         أنداري انولدت ولكيتهم بأتشتشوا

وفي خيمة مجاورة ضبابية مبعثرة الأغراض تزينها كاسات الشاي والقهوة  وأوراق البسكوت وبقايا قشور موز تزين حواف الأبراش.

-         شوف يا زلمة شو عملوا بحالهم أي صاحبنا صار زي الشبح والله لو بدها تتحرر فلسطين ما بعمل بحالي هيك، ولا لليش اخترعوا الجيوش والأسلحة.

-         ويرد صوت من أقصى الخيمة عشان تنحط نياشين الكذب على صدورهم وتخبأ أسلحتهم في المخازن لحين الطلب !!!

-         ويكمل ثالث سيبك يا زلمة من هالقصة وخدلك سيجارة واحرق همك ويلا نلعبلنا دق طرنيب ونطلع من جو هالكآبة شوي بكفينا.

وفي قبرٍ مجاور خافت الضوء نتن الرائحة طنين  قلبٍ تعلق بالسماء وصدى كلمات ضعيفة الإيقاع:  اللهم ثبتنا وانصرنا اللهم خفف عنا محنتنا، اللهم اربط على قلبي وعقلي، واحفظ علي ما بقي من قوتي وأبقني إنساناً سوياً، اللهم آنس وحشتي وأعني على وحدتي،  يارب ما يتأخر المحامي وما يحرمونا الملح.

وفي ساحة صغيرة محجوزة الأفق، بدأوا يخرجون بتثاقل ليتمتعوا ببعض نورٍ - حرموا منه عقاباً - قد يمدهم بالطاقة من شمسٍ خجلى تحاول أن تغمض عينيها عنهم؛ علها تؤخر عنهم يوماً جديداً يولد قد يزيد رصيد معاناتهم ومعاناة الأيام معهم.

 

وعلى طاولة مستديرة يجتمعون، فيما يحضر أحدهم ممثلاً شخصياً عن رئيس الوزراء وتدور رحى الحديث كطاحنٍ للماء وما يملك إلا ذلك.

-         هيا يا سادة هاتوا ما عندكم.

-         لا زالوا على موقفهم يحاربونا بأمعائهم هكذا يقولون.

-         فليقولوا ما يشاؤوا ولكن يجب أن تنتهي هذه المهزلة في أقرب وقتٍ ممكن اتبعوا كل الأساليب المتاحة والأهم ألا يموت أحدهم.

-         المشكلة يا سيدي أن رقعة التضامن معهم تزداد ولم يقف الحد في الضفة وغزة أو من خلال وقفات مبعثرة هنا أو هناك، بل لقد تعدى الأمر ليصل إلى بعض الدول الأوربية من خلال فعاليات لا يشارك فيها الفلسطينيون فقط.

-         خطؤنا التاريخي كان بعدم إبادتهم عن بكرة أبيهم وها نحن ندفع ثمن هذا الخطأ كل يوم، بل الفاتورة تزداد يوماً بعد يوم.

وفي مطبخٍ صغير في شقةٍ بالطابق الرابع

-         يلا يا اولاد تعالوا كلوا الأكل جاهز

-         انا ما بدي

-         ليش وبعدين مع هالشغلة

-         فترد عليها بصوت أجش وعينين شبه دامعتين ورأسٍ يهتز يمنة ويسرة تختنق فيه الآلام كيف بدنا ناكل وأبونا جوعان ... وانهارت من بين يديها دميتها متهالكة على الارض بعدما غطت الصغيرة وجهها وأجهشت بالبكاء لتضمها أمها لصدرها وتطلق لعينيها وقلبها العنان وهي التي طالما حاولت أن تبدو متماسكة أمامهم لتردد بكل حزن: كسرتي ظهري يا حنين.

وبجانب صورةٍ كبيرةٍ زينت الحائط وذُيلت في أسفلها بعبارة: "وتردني القضان عن حريتي وأنا أرد القهر بالإضراب"...

-         شو يا حبيبي شو الأخبار اتصل فيكم المحامي طمنكم عنه؟

-         يما طولي بالك الله معانا ومعاه الأمر بده شوية صبر واحنا بحاجتك قوية.

-         برضاي عليك ما تخبي عني أي خبر قلبي بغلى عليه متل النار.

-         خلص وكلي أمرك لربنا وخلينا نطلع على خيمة التضامن. فتلملم جراحها وتمسح دموعها وتخرج متكئة على كتفٍ طالما أعياه الشبح والتنقل بين السجون.

أما هي فليلتها كانت طويلة بحق مزقت رسالتها أكثر من مرة وبللتها بالدموع لم تكن تدري ما تكتب ولكنها في النهاية كتبت شيئاً ما..

وأما هو فاستلم عن طريق المحامي رسالةً تبدو عليها آثار الدموع كُتب في كبدها { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} فكانت له كالملح الذي يحفظ روحه إذ بدأت بالتعب وكادت تعقره، فرد هامساً والمحامي كاتباً: نحتاج لكم أقوياء نريدكم زاحفين ولا نريدكم مرضى تتمددون في خيام التضامن. 

تفسير بعض المصطلحات:: J

تشيف: كيف

أوتشل: آكل (أوكل)

تشل: كُل 

تشعتش: كعك

بيظ: بيض

أكلتش: أقلك

لكيتهم: لقيتهم (وجدتهم)