بركمان وجلد النمر

بركمان وجلد النمر

رضا سالم الصامت

الشخصيات في القصة  :

الملك : جبرهان

الأمير: سرجمان

زوجة الأمير: جيزخان

ابن الأمير: بركمان

حارس القصر : اربي غمان

منذ قديم الزمان كان هناك ملك  يدعى جبرهان ، كان له ابن اسمه سرجمان بعثه والده في مسابقة صيد و لم ينجح فيها فقرر طرده من المملكة و منعه من دخول القصر بشرط أن يأتي له برأس أسد أو جلد أفعى  أو جلد نمر  كدليل على نجاحه في الصيد ، لكن الأمير سرجمان لم يسعفه الحظ فعاش بعيدا عن مملكة والده جبرهان إلى أن كبر فتعرف على فتاة و ربط معها علاقة حب صادق  و حكى لها ما جرى له فقبلت الفتاة أن تتزوجه و تعيش معه لأنها فقيرة و فقدت والدتها و والدها  . هذه الفتاة اسمها جيزخان تزوجته و عاشت معها . كان في النهار ينزل من الجبل ليذهب إلى الغابة و يجلب لها الطعام و اللبن و في يوم من الأيام لا حظ أنها مريضة  فاستدعى لها طبيب الغابة و بعد أن فحصها أعطاها أعشابا للتداوي   و قال الطبيب لسرجمان أن زوجته حامل .

 فرح الرجل كثيرا و أصبح يساعدها في الطبخ و الكنس و ما إلى ذلك من ترتيب بيته المتواضع على الجبل . كانت جيزخان تعيش بمفردها في الجبل  نهارا اما في الليل فان زوجها يرعاها و يعمل  على راحتها .. بعد أشهر وضعت جيزخان مولودا بهي الطلعة  فسماه سرجمان " بركمان"  ليكون مولودا يجلب خيرا و بركة .

أصبحت جيزخان و زوجها سرجمان  يعتنيان بالولد و بتربيته و بدأ ينمو و يشتد عوده  إلى أن كبر و أصبح شابا  شجاعا قوي البنية  مطاعا ....

تربى الولد على حليب العنز و كانت أمه تطعمه أفضل الثمار و ألذها  ، و كانت تعتني  به  كثيرا  إلى أن بدأ يتحمل  المصاعب و كان والده سرجمان   يأخذه معه في الصيد  فعلمه السباحة و الرمي  و الفروسية  كان اهتمامه بالولد كبير ،  و كان بركمان يحب الصيد كثيرا  و يذهب يوميا صحبة والده ليصطاد الغزال و الأرنب في الغابة  و يجلب معه الثمار  ليعيش هو و والدته و والده . كان سرجمان يعرف أن ابنه بركمان شجاعا لكنه يخاف عليه من النمور و الأسود ولا يمكن الاعتماد عليه و هو وحده، فأوصى زوجته جيزخان أن لا تتركه يذهب إلى الغابة  لوحده .

في إحدى الأيام  خرج لوحده إلى الغابة ،ـ فخافت جيزخان عندما لم تجد ابنها.

 و قالت في نفسها : ويحي ماذا سأقول لوالده ، عندما يفتقده ؟

غاب بركمان عن البيت و عندما تفطن والده  سأل زوجته جيزخان و قال لها بغضب شديد : أين ابنك يا امرأة

خافت و ارتعدت ثم قالت له : انه خرج إلى الصيد في الغابة ، و لكنه تأخر

قال : الم أوصيك بأن لا تتركيه يذهب إلى الصيد لوحده ؟

قالت : نعم ، أوصيتني و لكنه  غافلني و خرج بمفرده

قال سرجمان :  إذن عليك أن تذهبي بنفسك و تبحثي عنه ، خذ حصاني و انطلقي يا  امرأة

أخذت الشمس تغيب فقلقت عليه والدته و والده و انتابهما شك  قد يكون حصل له أي مكروه

خرجت جيزخان تبحث عنه و هي تصيح هنا و هناك في الغابة  : يا بركان... يا بركمان و اختلط صوتها بصهيل حصانها و كأن الحصان يناديه ... كان بركمان جالس تحت جذع شجرة  وهو يئن من شدة  الأوجاع التي لحقته اثر تعرضه إلى هجوم عنيف من نمر ..فسمع صدى صوت أمه و هي تنادي بررررركمان .... بررررركمان

مزق بركمان قميصة و أخذ يلوح به بيديه ، فلاحظت جيزخان أن ابنها  يعطي إشارة من بعيد و هو في خطر ...

أدارت الحصان نحو الجهة التي يوجد فيها ابنها بركمان ، و اخذ الحصان يركض  إلى أن وصلت فوجدته تحت جذع شجرة يتألم  من خدوش  سببها نمر هاجمه فلم يكن من الفتى إلا  أن يصارع ذلك النمر دفاعا عن نفسه  و حكى لوالدته ما جرى له و قال : لقد فر النمر و قررت انتظاره و مصارعته حتى الموت

جيزخان نظرت لابنها نظرة افتخار ثم ربتت على كتفه و قالت له : هون عليك يابني ، دعه و شأنه ، أنت بحاجة إلى  مداوة هذه الخدوش  و تستعيد عافيتك

قال : لا يا أماه سأنتظر عودته وسأكون بخير

احتارت الأم مع ابنها و حاولت إقناعه بالعودة إلى البيت و أن والده شديد الغضب .

بركمان رفض العودة إلى البيت في الجبل  و قرر انتظار النمر .

كانت الأم تتحدث مع ابنها و الدموع تنهمر من عينيها و الابن أيضا  يبكي

فقالت له :  يا بني أنت ما زلت شابا فوالدك قلق عليك و هو من طلب أن ترجع معي

كان بركمان يسمع و لا يرد على كلام والدته  ثم فكر قليلا ثم قال : أماه غدا سأكون في البيت ، طمئن والدي و قل له أن ابنك رجل شجاع و صياد ماهر  و اشرح له سبب غيابي عن البيت ...

ركبت حصانها و قفلت راجعة لوحدها  و أثناء الليل عاد النمر كعادته لبركمان ، لكن هذه المرة بركمان رسم له خطة للإيقاع به و النيل منه . و بدأت المعركة و كانت معركة حامية الوطيس كما يقال و في لحظة غير متوقعة غمس بركمان خنجرا في قلب النمر أرداه قتيلا ...و اخذ النمر يسبح في بركة من الدماء  بينما  أجهز عليه بركمان الى أن خر و أسلم روحه ...

فرح بركمان بالنصر رغم ما أصابه من النمر من خدوش  خطيرة ،  جعلته يمضي ليلته بجانب النمر المقتول و هو يحاول استرداد أنفاسه و قوته ...

.بركمان كان سعيدا جدا و بدأ يصيح في الغابة  : أنا أفضل صياد ... أنا بطل  و صياد نمور  سأجعل والدي يفرح و يفخر بي ....

ثم سكت فجأة و قال ...دليل على  نجاحي  سأحمل هذا النمر معي و لكنه ثقيل و سوف لن أقدر على إيصال جثته إلى الجبل

بقي بركمان  يفكر  فقال:  لإقناع والدي أني غلبت النمر و صارعته حتى الموت علي بسلخ جلده.

توجه نحو جثة النمر و مسك الخنجر المغروس في قلبه و استله  ثم شرع في سلخ جلده 

و بعد الانتهاء من سلخه طواه و نام تحت الشجرة  و في الصباح لم يجد أثرا للجثة التي أكلها الغربان و الحيوانات الأخرى

أما جلد النمر  فقد أخذه و رماه على كتيفيه  و أخذ الطريق نحو الجبل .

و بعد أيام و ليال من المشي  وصل إلى الجبل أين بيت والديه و صعد ه ، ثم دخل البيت فوجد أمه جيزخان في انتظاره .

فرحت الأم بسلامة فلذة كبدها ، و رحبت به و قالت له : أن والدك  سيكون فخورا بك يا ولد

قال: نعم انظر يا أمي هذا جلد النمر الذي صارعته

اندهشت جيزخان  و نظرت لابنها نظرة افتخار و قالت معجبة : انك حقا رجل قوي و شجاع

دخل والده سرجمان و قال لبركمان ابنه : إني فخور بك يا بني  ، أتعرف أن هذا الجلد  طلبه والدي منذ سنوات مضت  و والدي هو الملك جبرهان  ، انه جدك يا بركمان و هو مايزال  يعيش لوحده في القصر بعد أن ماتت جدتك التي هي أمي

فقال بركمان لأبيه : و لكن  لماذا لا تعيش معه في القصر يا أبي

قال : قصة طويلة جدا  ستعرف تفاصيلها في الغد عندما نغادر بيتنا هذا إلى الأبد و نتجه إلي القصر الذي يوجد فيه والدي الملك جبرهان و هو جدك ...

تعجب بركمان من كلام أبيه و قال في نفسه و ما سر جلد النمر ؟

قال : الملك جبرهان ، عندما كنت في عمرك شاب ، أطردني من القصر  و اشترط علي أن أجلب له رأس أسد أو ثوب أفعى أو جلد  نمر أو فهد ، و إلا فلن ادخل القصر أبدا .

قال بركمان : إذن فلقد كان جدي قاسي القلب و صعب المراس

رد عليه سرجمان : و هو كذلك ، انه ملك

نام الجميع تلك الليلة  و أخذ سرجمان يستعرض ذكريات طفولته في القصر عندما كان ابنا مدللا لدى والده الملك جبرهان

و عندما اشتد عوده و لم يلبي طلب أبيه في جلب رأس أسد أو جلد نمر أطرده و نفاه في الجبل الشرقي .

و في الصباح الباكر أخذ سرجمان  حصانه و ركب ثلاثتهم و اخذوا معهم بعض المأكولات و انطلق الحصان يركض  في اتجاه القصر ، إلى أن وصلوا باب القصر بعد أيام  فوجدوا في بوابة القصر الحارس أربي غمان الذي  ما يزال يتذكر ابن ملكه سرجمان ... تقدم الحارس نحوه و قال له : ألست الأمير سرجمان؟

قال : نعم بلحمه و شحمه

قال الحارس : أنت تعرف أن والدك لا يقبل بعودتك  إلا و معك رأس أسد أو جلد نمر أو ثوب أفعي

قال : اعر ف تماما انه شرط ،و الآن جئت لرؤية والدي جبرهان الملك

قال اربي غمان حارس الملك : أيها الأمير سرجمان ، أرجو كم الانتظار هنا

دخل الحارس أربي غمان لجلالة الملك جبرهان الذي كان  مستلقيا على كرسي الملوكية و قال له :  لديك ضيوف يا مولاي

رد عليه الملك : و من هم ؟ قال : ابنك الأمير سرجمان ؟

ماذا سرجمان ابني ، أمام باب القصر  ؟ رد قائلا  - قال : نعم ابنك سرجمان الأمير

الذي أطردته من زمان من القصر و نفيته في الجبل الشرقي  هل مازلت تتذكره ؟

قال : و كيف أنساه ، انه ابني سرجمان  فرح الملك بعودته و لكنه  بقي متمسكا بشرطه  فقال لحارسه أربي غمان :

وهل نفذ شرطي ؟

قال الحارس : لا أدري

فرد عليه الملك الطاعن في السن جبرهان : إذن ، اذهب و تأكد منه هل نفذ الشرط ؟

رجع اربي غمان حارس الملك جبرهان و قال للأمير سرجمان : والدك حضرة الملك يسأل هل نفذت الشرط الذي على عهدتك من زمان ؟

قال سرجمان : قل له ، نعم  جلد نمر

اخذ الحارس الجلد و قلبه ثوم طواه  و بعد التأكد منه ادخله لحضرة صاحب الجلالة و  وضعه على بساط أمامه

فعرف الملك أنه فعلا جلد نمر و أمر بإدخاله و دخل كل من سرجمان ابن الملك و زوجته جيزخان و ابنها بركمان .

عانق سرجمان والده العجوز الملك جبرهان كثيرا ثم أشار سرجمان بيده لابنه  و قال هذا ولدي بركمان و هو من جلب جلد النمر  ، تقدم بركمان ليعانق جده الملك جبرهان ثم أشار سرجمان  بيده  لزوجته و قال لوالده : هذه زوجتي  جيزخان .

نام الجميع تلك الليلة و في الغد أعلن الملك دعوة الأهالي و اشتعلت الأضواء و أعلنت الأفراح و الليالي الملاح و أصبح سرجمان ملكا و ابنه بركمان وزيرا و زوجته جيزخان أميرة القصر تصول و تجول و عاش الملك جبرهان  سعيدا مع بقية أفراد العائلة  في فرح و حبور...  و طابا طابا ، عام الجاي تجينا صابا .