بوردو وباريس وأشياء أخرى 1

بوردو وباريس وأشياء أخرى

( 1من4 )

محمود أبو الهنود

دقات عقارب الساعة تشير الى الثامنة  صباحاً ، محطة قطارات أوسترليتيز في باريس  تزدحم باعداد كبيرة من المسافرين المتوجهين الى مناطق مختلفة من فرنسا ، يسارع خالد خطواته مستقلاً إحدى القطارات في طريقه الى مدينة بوردو في الجنوب الغربي من فرنسا ، المكالمة الهاتفية التي تلقاها خالد في السادسة صباحا من موظفة ادارة فندق Adagio Bordeaux Gambetta ، أكدت له وصول الوفد الاماراتي المقرر مشاركته بعد عدة أيام في مؤتمر دولي حول البيئة والتغيرات المناخية الذي سيعقد في باريس حيث يقوم بجولة سياحية في المدينة الاجمل من فرنسا ، فبوردو المدينة الدافئة تمتلك الكثير من المعالم السياحية التي تدفع بضيوف فرنسا للاطلاع على تاريخ وسحر هذه المدينة التي تقع على الساحل الجنوبي لنهر جيروند الكبير ، بالاضافة  لقصور النبلاء والحكماء ، ومزارع الدالية في ريفها الرائع،  هناك الفنادق والمتنزهات والاماكن الساحرة في وسط وشمال المدينة ، يسير القطار بسرعته الرهيبة ، وأنظار خالد تراقب بين الحين والاخر عقارب الساعة ، حيث يفترض تواجده في الفندق عند الساعة الثانية عشرة ظهراً ، ليصطحب الوفد الإماراتي في جولته السياحية فهو يعمل منذ عدة سنوات كمرشد سياحي ومترجم ، ولديه معرفة كبيرة بالاماكن والاثار العريقة التي تحتويها المدينة ، بالفعل وصل خالد الى الفندق عند الموعد المحدد وذلك بعد أن شرب فنجان من القهوة مع بعض الحلوى الفرنسية الفاخرة  من مقهى شهير في ضاحية  ( Rue Sainte-Catherine ) وسط المدينة ، رحبت موظفة الادارة بفندق Adagio Bordeaux Gambetta   بخالد ورافقته الى مكان تواجد الوفد .. هناك تفاجأـ خالد بكلمات الترحيب التي بدأ يطلقها الجرسون بينما كان يقدم وجبة غذاء سريعة لاعضاء الوفد ، الصوت ليس غريباً عليه ، نظر خالد الى الجرسون باهتمام كبير ، هذا أنت يقول خالد ! ، إنه رائد مصري الجنسية ، صديق الطفولة لخالد ، تعانقا بمحبة وشوق كبير ، فلم يشاهدا بعضهما منذ أن ترك خالد مدينة بور سعيد قبل حوالي ثمانية أعوام ، أين أنت يا رجل ؟ وما الذي  أتى بك الى فرنسا ، يجيب رائد على سؤال خالد ، إنه العمل ياصديقي ، لقد وجدت فرصة للعمل في هذا الفندق الرائع ، وأنت تعرف البطالة وعدم توفر فرص عمل في مصر ، هز خالد رأسه مكرراً نعم نعم يا رائد ، وقبل أن يتركا بعضهما تبادلا حفظ أرقام هواتفهم النقالة ، وتواعدا بلقاء قريب ، توجه خالد نحو الوفد، راداً التحية على الجميع ، " هلا بيك أـخوي"  رحب به " سلطان " رئيس الوفد معرفاً إياه على أسماء الأعضاء ، بعضهم خبراء في مجال البيئة ، والمناخ ، بالاضافة لاساتذة جامعات وممولي مشاريع  وصحفيون ومصورون يعملون في كبرى الصحف ووسائل الاعلام الإماراتية ، يكرر خالد ترحيبه مطلعهم على طبيعة عمله وخبرته في مجال العمل السياحي ، تناولوا وجبة الغذاء ، وانطلقوا في جولتهم الى قلب المدينة ، وضواحيها وريفها الذي تكسوه الورود وأغصان الدالية الرائعة ، أول ما وصلوا الى شارع سانت كاثرين التجاري حيث ساحة الكوميديا ، شاهدوا المحال الفخمة ، والمقاهي والمطاعم التي يقبل عليها السياح بشكل كبير ،إنها ساحة تضج بالحياة ، يغيب فيها اللون الفرنسي ، ليحل محله سياح من أجناس عديدة ، توجهوا بعد ذلك لاكتشاف المعالم الثقافية للمدينة ، مبنى الاوبرا الذي بني في عهد الماريشال دي ريتشيليو حاكم غويين Guyenne وأشرف على بناءه المهندس المعماري الأشهر في ذلك الزمن فيكتور لويس قبل تسعة أعوام من اندلاع الثورة الفرنسية في عام 1789م، أعجبوا كثيراً بفن الهندسة النيكولاسيكية التي تميز المبنى مع معزوفات  الأوركسترا السمفونية أشهر الفرق الموسيقية في أوروبا، انتقلوا بعد ذلك في زيارة لجامعة " بوردو العريقة ، حيث كان في استقبالهم رئيس الجامعة ورئيس قسم البيئة وعلوم الارض "، الذي اصطحبهم في جولة داخل الجامعة للاطلاع على قسم البحوث والدراسات الخاص بالبيئة ، استشعر الوفد الاهتمام الكبير الذي تبديه ادارة الجامعة بالبحوث المتعلقة بالتغيرات المناخية والبيئة ، حيث دهش الوفد بالمساحة الكبيرة التي تخصصها الجامعة لطلاب القسم لاجراء تجاربهم المختلفة ، مشاريع عديدة لانتاج الكهرباء ومعالجة مياه البحار، ومراقبة التغيرات المناخية  ، اختراعات فريدة من نوعها تحظى  باهتمام من قبل الجامعة وتفرد لها الصحافة جزء كبير من اهتماماتها ، وفي ختام زيارتهم لمبني الجامعة وزع عليهم رئيس الجامعة هدايا تذكارية ، وتلقى بسرور دعوتهم لزيارة جامعة أبو ظبي التي قدمها له عميد كلية العلوم بالجامعة ، ثمة مزيد من الاماكن يقول لهم خالد يتوجب عليكم زيارتها ، توجهوا الى الريف ، كانت زخات من الثلج المتقطع تهطل على المدينة ، المنظر من نوافذ الباص رائعة بكل معاني الوصف ، مساحات شاسعة من الأراضي مزروعة بالوردو و بأشكال هندسية وفنية مدهشة ، طرق واسعة ، وبيوت قرميدية وسط المزارع تغطي الثلوج أسطح بعضها  ، اصطحبهم خالد الى منزل صديقه جاك فرنسي الجنسية ، وهو يعمل في أحد البنوك الفرنسية الكبيرة ، كان المسكن يتواجد به جاك لوحده ، حيث سأله سلطان  ، هل تعيش لوحدك هنا ، تبسم جاك وأخبره بأنه يفضل البقاء في منزله وسط الريف ، وأنه متزوج ولديه طفلين يعيشان في مدينة باريس ، ضحك سلطان وأعضاء الوفد وتفهما رغبته بالعيش وحيداً وسط الريف ، كانت زيارة منزل جاك فرصة ليستريح أعضاء الوفد قليلاً ، بدأ خالد وجاك بتجهيز وجبة جمبري جلبها الاخير من ثلاجته المليئة بأنواع مختلفة من المثلجات ، انتهى خالد وصديقه جاك من تحضير الطعام ، كان خلالها معظم أعضاء الوفد قد غرقوا في نوم جراء تعب السفر ، عمل جاك  وخالد على ايقاظ الجميع ، ودعوهم لتناول وجبة الطعام ، وبدأوا بتناول الجمبري اللذيذ ، وفجأة بدا أن أحداً يطرق باب المنزل .

( 2من 4 )-

، إنها لوران  ، صديقة جاك ، كانت ترتدي بلوزة تي شيرت وشرط ، دخلت المنزل وكان الجميع يتناولون طعامهم ، رحبت لوران ، بأعضاء الوفد مردة باللغة الفرنسية  Bonjour  ، احمرت وجوه معظم أعضاء الوفد ،و شعروا بأمر غريب ، فهد وهو يعمل مصور صحفي راح يحدق بلوران ، التي كانت تجلب معها زجاجة بيرة وضعتها على سفرة الطعام، ملامح الاعجاب بلوران باتت تغزو أعين فهد ، فقد سقط الصحن وبقيت السكين والشوكة ترتجفان مع أصابع يديه من شدة اعجابه بجمالها ، أطلق  خالد ضحكة عالية ، وقال باللغة الفرنسية أهلا لوران ، اجلسي معنا لتناول الجمبري ، بدأ جميع أعضاء الوفد ينظرون إلى بعضهم ، وراح يتساءل البعض منهم ، ما الذي يحصل ؟ ، وفجأة طلب سلطان من الجميع الخروج من المنزل فقد شعروا بحيلة ما تدبر لهم ، لكن سلطان لم يستطع إكمال كلماته حتى سقط على الارض ، وراح الجميع يتساقطون من على كراسي سفرة الطعام ، ليستغرقوا في نوم عميق ،  بقي فهد وحيداً مع جاك  وخالد و لوران ، فلم يتناول ما   يكفي من الجمبري حيث سقط الصحن من بين يديه، لكن فهد لم يكن يحتاج وجبة جمبري لتغرقه في النوم ، فقد راح يتجرع كأساً من البيرة الذي أعطته اياه  لوران  ، سقط هو الاخر من شدة ما شرب من البيرة فهو لم يكن يعرف حتى شكلها من قبل ، بعد وقت قصير راح أحدهم يطرق الباب مرة أخرى ، سارع خالد لفتح باب المنزل الذي كان يطرقه صديقه رائد وهو القرصون الذي قابله في الفندق، أصبح جاك وخالد ورائد و لوران في المنزل، وجميع أعضاء الوفد مستلقين على الارض في نومهم العميق ، طلب خالد من الباقين ، نقل حقائب وكل ما لدى أعضاء الوفد الإماراتي في سيارة الجيب الخاصة بجاك ، كان من بين الحقائب ، حقيبة خاصة بسلطان يحمل بها عدد من قطع الماس والالماز والخرائط الخاصة التي تعود لعهد  الأمير عبد الرحمن الداخل الذي كان قد اقتحم المدينة في  العام 731 م ، وكان سلطان قد أخفاها عن العاملين في مطار بوردو لحظة وصول الوفد المدينة، انطلق جاك وفريقه بسيارة الجيب الى قصر "بالاس دي تشابيليه" ،، حيث أرشدتهم الخريطة التي أصبحت بحوزتهم الى مكان يعتقد أنه يحتوي على كنز من الذهب بالاضافة  لعتاد وأسلحة قديمة وخرائط غالية الثمن عثر عليها أحد الجنود الفرنسيين وخبأها في نفق أسفل القصر ، بعد 4 ساعات  بدأ مفعول المنوم الذي وضع لاعضاء الوفد في طعام الجمبري يفقد مفعوله ، استيقظ سلطان على صوت رنات هاتفه النقال ، كانت المكالمة التي أجراها مع مكتب سياحة وسفر أبو ظبي ، بمثابة صاعقة بالنسبة له ، فقد راحوا يستفسرون عن مكان وجود أعضاء الوفد ، ليتسنى لهم الالتقاء بالمرشد السياحي والمترجم خالد  الذي سيرافقهم  في رحلتهم الى مدن فرنسا بوردو وباريس ، ارتفع صوت سلطان ، وهو يعيد سؤال موظفة المكتب ، ماذا قلتم؟ ، خالد ، ومن يكون ذلك الشخص الذي قدم  الينا الى الفندق في بوردو واصطحبنا في جولتنا في المدينة الى أن وصلنا الى هذا المكان في الريف  ، اليس هو المترجم ؟ ، وراحت أعين سلطان وهو يتحدث مع موظفة المكتب السياحي ترقب عدد من أعضاء الوفد الذين ما زالوا تحت آثار المنوم ، قطع سلطان المكالمة مع موظفة المكتب السياحي  ، وذهب مسرعاً يفتح باب المنزل حيث خشي أن يكون مقفلاً، لكنه كان قد ترك مفتوحاً ، عاد سلطان الى داخل المنزل وبدأ يحاول ايقاظ بقية أعضاء الوفد ، كما طلب من الآخرين الخروج من المنزل ، وبالفعل أصبح الجميع خارج المنزل حيث تفاجئوا بعد ذلك بعدم وجود سيارة الجيب التي نقلتهم في جولتهم الى الريف ، تلقى سلطان مكالمة هاتفية جديدة ، إنه مدير مكتب الامارت السياحي يريد الاستفسار عن ما حدث مع أعضاء الوفد ، وبدأ سلطان يشرح له كل الاحداث التي مروا بها ، ويرشده على المكان الذي يوجد به الوفد .