الاسد

حيدر الحدراوي

لقد هرم الاسد , ولم يعد يقوى على صيد طرائده المفضلة , فاخذ يبحث عن طرائد  صغيرة الحجم , بأمكانه ان يغرس انيابه المتخلخلة في لحمها , وان كادت لا تسد الرمق .

قرر ان يقترب من المدينة , لعله يجد بغيته فيها , اقترب اكثر واكثر , حتى لمح صبيا وصبية , يسيران بهدوء وترو , يضحكان ويتمازحان , فقطع عليهما الطريق , لاذت الصبية بالصبي , هذا المشهد ذكّر الاسد بأيام صباه , عندما كان يلعب مع ابنة عمه اللبوة , فباغتهما الضبع , فلاذت اللبوة بحماه , واخذ هو يزأر , زئير اسد صغير , حتى جائهما الاسد الاب , فأنقذهما من الضبع , شعر الاسد بالالم يسري في قلبه , فتركهما وانصرف .

خارت قوى الاسد من شدة الجوع , حتى وصل الى مشارف المدينة , فوجد كوخا صغيرا , وكان قربه طفلا يلعب , فزع الطفل عندما شاهد الاسد , فركض الى امه , وغاص في احضانها , وبدورها حملت طفلها واسرعت الى داخل الكوخ , فماذا ستفعل لتحمي نفسها وطفلها منه ؟ , فاقترب الاسد نحو الكوخ , واخذ يسترق النظر الى الداخل , من عدة فتحات في الجدار , فشاهد منظرا ذكره بأيام طفولته , حينما كان يلوذ بأمه عندما يقترب ثعلب , فاعتصر قلبه حزننا , وسالت الدموع من عينيه , فترك الكوخ خلف ظهره و مضى .

اقترب الاسد اكثر واكثر , مستترا بستار الليل , حتى وصل به المطاف الى قصر منيف , وجد نفسه عاجزا عن تسلق اسواره , فبحث عن فجوة او ثغره يمكنه ان يلج من خلالها , فلم يجد , فاقترب من الباب , شعرت كلاب القصر بوجوده , وبادرت  بنباح هائج , وتوارى هو خلف اكمة , حتى فتح باب القصر , وخرج رجل في مقتبل العمر , لا تزال فرشاة الاسنان في فمه , ويديرها بيده , وينظر مستغربا من هيجان الكلاب , فوقع نظر الاسد على اسنان الرجل , وقارنها باسنانه , التي بدأت تتخلخل وتتساقط , فاقترب الرجل من الكلاب , واسترق النظر هنا وهناك , فلم يرى شيئا , واذا بصوت من داخل القصر .

-         ابي .. ماذا هناك ؟

-         بني ..لا شيء ! .. لابد ان الكلاب قد رات ارنبا بريا او كلبا سائبا او شيء اخر .

-         او ربما .. شاهدت اسد ! .

-         كلا يا ولد ... لا يوجد في هذه الديار اسد ! .

انصرف مبتعدا , واخذ يتجول حول مشارف المدينة , فسمع اصوات استغاثة , اقترب من مصدر الصوت , فشاهد رجالا مسلحين , قد كبلوا اخرين , يبغون قتلهم , فتذكر الاسد , انه مذ ان هرم , وخارت في الشيخوخة قواه , كيف ان قطعان الثعالب والضباع تتهجم عليه , وكأنه لم يكن يوما من الايام ذلك الاسد , ملك الغابة .

فاقترب من احدهم بهدوء , وقفز عليه , وارداه صريعا على الارض , بينما اطلق رفاقه سيقانهم للريح , فألتهمه , وتعسر عليه الهضم , فأستلقى على الارض ومات .