العقل أم القلب

نسرين صالح جرار

 لم تكن نصرانية لكنها عشقت الرهبانية ... ، امتلأ قلبها بالإيمان ... فقررت أن لا تهبه إلا لخالقها ... ، وهل هناك من يستحق أن ينبض هذا القلب المؤمن بحبه سوى من أوجده ؟؟؟!!!

 كانت بنضارة زهرة في بستان ، تمتلئ عطراً وأريجا .. لكن الزهرة لا تستطيع منع النحل من أن يرشف رحيقها ، أما هي فكانت تصدّ كل من يحاول التحليق في سمائها .

 حقيقةٌ واضحة ملأت عقلها و وجدانها، وتمنّت لو أن بنات جيلها يؤمّنَ بها كما آمنت هي ، .... لا وجود لفارس الأحلام الذي ترسمه كلّ فتاة في خيالها ، وتنتظر قدومه لتركب فرسه الأبيض وتختفي معه في عالم من السعادة الحالمة .

 العيش الهنيء فقط يكون من صنع يديها ، أما فارس الأحلام .... فهو وهم ٌ وخيال ، إنه صورة ذهنية لا مجال لتجسيدها على أرض الواقع ، إنه قناع يلبسه أحد الماكرين لتقع الفتاة المخدوعة في شباكه ... ثم يخلعه عندما يسأم التمثيل .

 لكن الصياد الماهر ...- وإن امتلأت الغابة غزلاناً – يصرّ على اقتناص الغزال الشارد العنيد ، فيكثر الصيادون من حوله ، يحاول كلّ منهم ابتكار طريقة جديدة علّه يفوز بذلك الغزال المتمنّع الجميل .

 أتعبتهم المحاولات ، .... وانسحب الصيادون منهزمين يجرون أذيال الخيبة والفشل ، فمهما حاولوا فلن تسعفهم مهارتهم للإيقاع بغزالٍ يرى أن لا حياة َ من غير حرية ، إلا صياداً واحداً زاده عناد الغزال إصراراً وتصميما .

 ويبدو أن الإلحاح يقرّب صاحبه من نيل مبتغاه ، فمع كل شتاءٍ تجوي حبات المطر الصخر ، ومع كلّ عاصفةٍ ، تجعل ذرّات الرمل لها بصماتٍ في ذرى الجبال .

 ولأن الروح تطرب لسماع اللحن الجميل ، أحست بطلتنا ذات يوم أن إصرار ذلك الصياد لامس قلبها ،... وأن كثرة سهامه وإن لم تصبها قد أثرت فيها ، فخشيت أن تضعف عزيمتها ....

 فهبّ العقل فزعا منبها ومحذرا...

 وأنّ القلب مسترحما ...

 وعلا ضجيج حوارهما حتى غطى كل شيء فلم يُسمع إلا صوت التناقض بينهما، فقال القلب :

 عدتُ إلى الحياة بعد أن كاد نبضي يتوقف ، لبستُ أثواب الربيع الزاهية بعد أن أتعبني الخريف ، وما عشقتُ الحياة إلا بحبه ، وما شدت أطياري إلا بدوحه ، وما احتفلتُ بالأفراح إلا لأجله .

 لم يدم صمت العقل أكثر من لحظات ، قطعها بقوله ؛ أيها القلب إنك لم تحسن التفكير يوماً ... والرأيُ رأيي والقرار قراري ، وإنَّ من تقوده أهواء قلبه فهو حتما في لظى ، ألستََ من أحب الحياة... واحتفل بأفراح الحرية ..؟؟!!

ويحك أتتوق إلى أسرٍ من بعد حرية ، أنّى لأطيارك أن تشدو وقد حُبستَ في ضيق قضبانٍ من بعد رحابة الدوح ؟؟!! ... وكيف لحيٍٍّّ أن يُغيَّب في الثرى وأنفاسه مازالت تتردد ؟!!

 قطع القلب كلام العقل بتنهيدةٍ حَرّى ... كفى كفى ، فأنت آلة صماء تربط مقدمات بنتائج ولم تذق طعم الحب يوما ولم تتحرَّق بناره .

 صرخ العقل بحدة أترى الحبَ في إلقاء تاج عزّك عند بوابة سجنه ؟؟!!

أنَّ القلبُ متوجعا وقال ، منذ أن التقت النظرات وتصافحت البسمات .. وتناجى القلبان ،ألقيتُ السلاح وأعلنت الاستسلام .

 رد العقلُ ونشوةُ النصر تملؤه قائلا ، وكيف لمهزومٍ أن يقود دفّة المركب ويرسيه في بر الأمان ؟!

القلبُ أم العقل .... العقل أم القلب ، ضاق ذرعا بكما هذا الجسد المتهالك تحت وطأة جدالكما الثقيل

ولم تجد ملجأً سوى الغرق في بركةٍ من الدموع ... والدعاء لربها .. فإليه المُشتكى ...