عربدة شيطان الدم

علاء سعد حسن حميده

عربدة شيطان الدم!!

علاء سعد حسن حميده

باحث مصري مقيم بالسعودية

[email protected]

أنيقا، بشوشا، مسنا، أقرب إلى الثمانين ربما.. احتفاظه بنضارة وجهه وأقرب ما يكون إلى لون شعره الأصلي وابتسامته الودودة، وحيوية نظرة عينيه خلف نظارته الشمسية التي قليلا ما يُرى بدونها فهو لا يظهر ليلا إلا نادرا جدا.. كلها صفات جعلت منه رجل الخير والإحسان..

كان وحده ينظر إلى التلفاز في اهتمام حقيقي وترقب بالغ كأنه عاد إلى الشباب مرة واحدة فأصبح من ( ألتراس) الأهلي أو ( وايت نايتس ) الزمالك.. لم يكن معه أحد ليلحظ تبدله المفاجئ ولم ينظر لنفسه في المرآة..

فجأة ازداد احمرار وجهه بصورة غير طبيعية حتى صار أقرب إلى لون الدم، وتصاعدت الحرارة في رأسه كأنه يغلي، فإذا بعينيه تنقلبان، عينه اليسرى عوراء مخيفة، واليمنى صارت بركان يصب جام غضبه على ما حوله، ليس لها لون واضح لكنها تتقلب في قسوة لا رحمة فيها جامدة بلا حياة.. انقلب شكله كأنه جان مارد أو شيطان من شياطين الجحيم.

 أمسك بحيوان- لم أستطع من زاوية اقتحامي للمشهد تمييزه جيدا – هل كان أرنبا كبيرا أم كان غيره؟

كان ممسكا به بعنف، غزه بسكين طويل مدبب في قسوة وبرودة، يا للهول لم يذبحه، وإنما طعنه في رقبته طعنة نافذة، سمعت خوارا مبحوحا، وإذا به ينشب أظافره التي استطالت حتى استحالت مخالب في رقبة المسكين وأخذ يخترق الجلد في تلذذ مجنون والدماء تلوث يديه وتنفتح أمامه كصنبور صدئ لتتدفق إلى أسفل قدميه، وهو ينظر إلى الدماء والحيوان المزهوق تارة بين يديه، وتارة إلى المشهد الدامي أمامه عبر الشاشة ويطلق ضحكة مروعة لا يمكن أن تصدر إلا من أعماق الجحيم!!

وكلما تدفقت الدماء أكثر بين يديه ملوثة رجليه، ومالئة مجرى أُعد لها أسفل منه عل شكل نهر رفيع كما يبدو النهر عادة على الخريطة ممتدا إلى أسفل الشاشة الماثلة في ركن الحجرة.. وكلما انبثق مشهد الشاشة أمامه عن فظائع أكثر وضحكته تدوي وتدوي.. حتى فقدت وعيي وأنا أراقبه من موقعي المستحيل هذا أو كدت..

إنه يضغط أكثر فأكثر وضحكته السحيقة ترتفع أكثر فأكثر، فتزلزلني بعنف، لم أكن وحدي الذي أتزلزل على صوت ضحكته المعربدة، ظننت أن المدينة كلها تتزلزل.. بل ربما أكثر.. وصرخات نساء الوطن تتعالى، ودماء شبابه تسيل أنهارا هنا وهناك..

كل هذا من أجل أن يظل يمارس شهوته الكبرى في شرب مزيد من الدماء..

يلوّح بأصابع لا يمكن أن توصف بأنها ملطخة بالدماء لأنها استحالت إلى أكياس تحمل دما يتسرسب منها كلما تحركت، يرسم على جدار معد أمامه كأنه سبورة بيضاء وجوهاً شائهة لأشخاص يشهّيهم منظر الدم ليظلوا قابعين فوق كراسيهم، وآخرين خلف القضبان يحركون أذيالا وخيوطا بحثا عن طوق نجاة، من موجة عدالة تكاد تغرق رؤوسهم المحنية، وشباب أعمتهم شهوة الانتقام، فصار غذاءهم وشرابهم.. أخذ يلطّخ برسمهم جميعا اللون الأبيض لسبورة الرسم أمامه ساجدين له وهو ينظر يتأمل ثم يقهقه.. في اللحظة التي تطابقت فيها ألوان حواف اللوحة، فامتد الأسود الغابر ليلاقي الأحمر القاني دون أن يتركا بينهما أي فراغ لخط أبيض لم تصبغه الدماء!!