اللعبة المجنونة

اللعبة المجنونة

إدريس فضوالي - الرباط

[email protected]

لا شيء يعيد لي تلك اللحظات الجميلة غير ذاكرتي ، و ذاكرتي هي الأخرى لا تسعفني دلك سوى أوقات معينة ، انزويت بركن الغرفة و مددت رجلاي و أرسلت نظري بعيدا ، أتوسل ذاكرتي كي تسعفني في رحلة خفيفة إلى بعض ذكرياتي الطفولية ، ما أجملها لحظات !  أتخيل نفسي اجري في الجنان بجانب البئر الذي من الجهة الأخرى ، أدوس على الزهور البيضاء لأني كنت لا أحبها ، بينما احترم الزهور الحمراء ، و كنت اجمع منها باقات و ما يتبقى منه اصنع منه أكاليل أضع واحدا فوق رأسي و الأخر احتفظ  به لامي الشاوية . اجري و اجري بين أشجار الجنان و أتوقف بين كل لحظة و لحظة أنزع حدائي المطاطي من نوع بيما س كان يمتلئ بالوحل بسرعة ، اضرب به جدع شجرة اللوز ، فيصبح خفيفا فارتديه فأعود للجري من جديد .

نجري ، نراقب الشمس و هي تميل جهة الغروب ، رغم أنها من أجمل اللحظات عند البعض ، إلا أنني كنت اكرهها ، كنت أتمنى ألا تغرب الشمس حتى لا انقطع عن اللعب ، بدأت أنا أيضا أميل إلى جهة الدار اقتربت إلى الوادي أراقب مستمتعا جريان الماء ، ومن الجهة الأخرى عبد الرحمان يقود قطيع الأبقار  و معه حميد يساعده على إرجاعه إلى الحوش ، قفزت الوادي فعلقت رجلي اليسرى فانبطحت مباشرة في الوادي ، سمعت قهقهات حميد تتعالى ، قمت مسرعا و ثيابي مبللة من جهة بطني ، لم أبالي بالأمر و التحقت بهم ، سمعت صوت أمي تنادي : آ عبدا لرحمان ...

أجابها حميد مسرعا : آ أمي الشاوية، لا تخافي إدريس معنا ، كنا نمشي وراء الأبقار و أيدينا متشابكة ، كانت تروقني صحبة عبد الرحمان و حميد ، و خاصة عبد الرحمان الذي يعجبني بهدوئه و سعة خاطره كان لا يضيق بجنوننا وما كنا نتسبب فيه له من عتاب و لوم . اقتربنا من ساحة الدار ، و لما بلغنا المنحدر المقابل للدار بدأ القطيع يتدافع و يسرع نحو الحوش حيث تتواجد الأعلاف ،يتدافع في سرعة فائقة ،ورغم دلك نتربص بالقطيع كالأسود فنلتصق بأذنابها ، يتطايرا لغبار  ونحن متزحلقين وراءها ، نصيح في استمتاع منقطع النظير، حينما كاد القطيع أن يصل ، فاجأنا بابا الحسن فانقض علينا ، وقفنا مستسلمين له دون أن نبدي أي محاولة للهرب كما كنا نفعل دائما ، لأنه احكم القبض علينا متلبسين ، أشبعنا شتائم بعد دلك ضربنا على الرأس  بالتناوب ثم على المؤخرة ، ولم يتركنا إلا بعدما وعدناه بان لا نعود ثانية إلى مثل هده اللعبة المجنونة ، وعبد الرحمان واقف يراقب ما يحدث لنا ، ينتظر دوره في صمت و استسلام تامين ، وبعدما تلقى نصيبه من اللوم و العتاب ، تظاهرنا أمامه بالألم و الندم  ، و بمجرد أن اختفى من أمامنا عدنا لشيطنتنا .