حماريات
محمد العلي
نهق بصاحبه نهيقاً رقيقاً يشبه الهمس وهو يرتجف فؤاده خوفاً ، وتنتفض كل شعرة في جسده كالعصفور :
اخفض راسك . اطو أذنيك . لا تحركهما ! اغضض من صوتك ... احبس نفسك !. هلمَّ نختبئ وراء هذه الأكمة !.
جنازير الدبابات تقطِّع الإسفلت من تحتها ، وشظايا الحجارة المتكسرة تتناثر في كل الاتجاهات .... زعيقها المنكر وهدير محركاتها يملأ الجو صخباً ورعباً ، ويدخل الفزع إلى قلب كل إنسان أو طير أو حيوان .
دنا رتلٌ طويلٌ من الدبابات المصفحة فأصمَّ ضجيجها الأذان ، وزكم دخانها الكثيف الأنوف . كاد الحمار يختنق بدخانها ، وهمَّ بالسعال لولا أن صاحبه صمَّته وسكَّنه :
صه ....اكتم سعالك الآن !. إنهم يقتربون .. احبس أنفاسك ريثما يمرُّ هؤلاء الأوغاد !.
ومرت ساعة على الحمار وصاحبه الحمار كأنها سنة كاملة ، تنفسا بعدها الصعداء . ولمَّا رجع إلى الحمار لونه وسكن قلبه ، راح يروي لصاحبه الحمار أخبار المجزرة البشعة التي قضى ضحيتها بضعة عشر حماراً من بني جلدتهم ، سفك " الشبيحة " دماءهم ، وصبوا عليهم الرصاص الحي بلا رأفة ولا رحمة ، وهم يقهقهون ويرقصون !!.
- هل رأيت " سادية " مثل هذه ؟.
سأل الحمار صاحبه الحمار !.