نهاية الحجر

رؤى صبري

[email protected]

استيقظت بفزع على صوت فتح الزنزانة خاصة أنه لم يحن موعد أي وجبة من الوجبات ، هززت رأسي بعنف وأنا أحاول أن أطرد بقايا الحلم وهو أن كل ما أمر به مجرد كابوس ، لكن ما نسيته فعلا هو أن الكابوس بدأ من سنوات طويلة،

وليس من هذه اللحظة التي كنت فيها شارداً  قبل أن أفيق على صوت الجندي وهو يقول بقسوة:

هيا...بسرعة.

نهضت متكاسلا وأنا أمد يدي له بلا مبالاة ليضع فيها الأصفاد,(الأساور الفضية ) كما كانت تسخر أمي حين تراها في الأفلام،  وتساءلت في نفسي مستهتراً ألم يكن من الأفضل أن تكون ذهبية حتى تشعر السجين بشيء من البرستيج،  أطلقت ابتسامة ساخرة لخاطري لم يلحظها الجندي بسبب توقفه للثرثرة مع أحد زملائه وأخيراً، وصلنا إلى غرفة التحقيق وهي عبارة عن غرفة متوسطة الحجم لون طلائها باهت أكل عليه الدهر وشرب يشغله مكتب كبير بني اللون وخلفه كرسي وثير تتوسط الغرفة كنبة ذات جلد متآكل أما الأرض فلم يسترها إلا "جلالة قديمة " عانت من كل آثار السجائر المحترقة وفي طرف الغرفة يقع كرسيان أحدهما مكسور والآخر يوشك على ذلك تفحصت كل ذلك في نظرة سريعة ، إلى أن توقفت عيناي على المحقق والذي كان يختلف عن محقق المرة السابقة تلاقت عيننا في لحظة أشار لي فيها للجلوس اتجهت للكرسي لكنه عاد يشير للكنبة وأومأ برأسه للجندي بأن يفك الأصفاد صدع  الجندي بالأمر ورحل غلفنا الصمت لهنيهة قال بعدها:

كيف حالك؟

أجبت بمرارة:

كيف يكون حال من يلقى به خلف القضبان.

ابتسم ابتسامة مجاملة وحينها بدأ "الفأر يلعب في عبي" فمن الواضح أن الأخ يلعب لعبة الشرطي الجيد الذي يستدرج المجرم لكن ماذا مني ؟ لقد اعترفت من أول جلسة تحقيق وكأنما سمع صوت أفكاري فقال:

لعلك تتساءل عن سر التحقيق المفاجئ؟

أجبت:

بصراحة نعم خاصة أنه على حد علمي لا يوجد تحقيق رسمي يتم في عطلة نهاية الأسبوع !.

نهض من مكتبه وراح يدور في الغرفة ثم التفت اليً قائلاً:

دعني أكن صريحا معك,لقد اطلعت على التحقيق معك وشعرت بشيء من الفضول لمعرفة الحقيقة.

قلت ببرود:

لقد ذكرت الحقيقة كاملة !.

لانت ملامح وجهه إلى أن نطقت بكل مكر الثعالب وقال:

إذن لن نقول أن ما يجري الآن تحقيق ،دعنا نطلق عليها دردشة لتجزئة الوقت لا بد أنك تشعر بالملل في الزنزانة خاصة أنك............

وتوقف للحظة فتح فيها الملف واطلع على لقب عائلتي ورفع حاجبيه بدهشة ثم عاد الدهاء يكسو وجهه قائلا:

 من عائلة معروفة.

هنا اعتلى وجهي وقلبي وروحي كل الألم الذي وجد في الأرض وأشحت بوجهي عنه ،كأني بذلك كنت أريد منعه من التعرف على شخصيتي .

حينها عرف انه حصل على ما يريد وجاء يربت على كتفي وهو يقدم لي سيجارة رفضتها بإشارة من يدي فقال:

غريب.....قاتل ولا تدخن !!  يا ترى أيهما أسهل لديك؟؟!

وتبعها بضحكة ساخرة هنا شعرت بالدموع تحتشد في عيني وسألته وأنا أصرخ:

ماذا تريد؟ماذا تريد مني؟ألا يكيفني ما أصابني.

هنا أصبح وجهه أكثر قسوة من الصخر وقال:

احكي لي.

رفعت نظرة متسائلة وقلت:

لقد حكيت.

قال بحدة:

أريد أن أسمعك  مرة أخرى واحذر أن تفوت أي تفصيل.

اعتدلت في مقعدي وفكرت للحظة فوجدت أن بضع ساعات في المكتب البارد أفضل من جو الزنزانة الخانق فضلا عن أني اعترفت مسبقا فلن يضر شيئا,حاولت أن أبلع ريقي فوجدته جافا فقلت:

هل لي بكوب من الماء؟

تبسم الثعلب ثانية وقام ليسكب لي الماء بنفسه ناولني الكأس فشربته وأنا أغض بصري عن مستوى النظافة الذي يتمتع به وضعت على الطاولة بعد أن فرغت منه وتموضعت في أكثر الأوضاع راحة لي وبدأت احكي حكايتي  قائلاً :

نعم أنا أنحدر من عائلة ثرية بالرغم من أن أبي لم يولد كذلك  ، وإنما بدأ من الصفر ليؤسس نفسه هو وصديق عمره ولم يبلغ السادسة والعشرين حتى أسسا أول شركة لهما وتطورت إلى أن أصبحت إمبراطورية تجارية عظيمة كما ترى ، ومن الله على أبي فرزقه بثلاثة من الأولاد كنت أنا ثانيهم ، وبنتان يشهد لنا جميع الناس بالخلق والدين كما من الله علينا بأم رائعة أشك في أنه يوجد من يماثلها حنانا وعطفا كانت عائلتنا موضع حسد كثيراً من الناس ، فأغلب منغصات حياتنا عادية وبسيطة تكاد لا تذكر,حقا كانت حياتنا سعيدة ، على الرغم من أن أمي دائما ما كانت تجول بعينيها بيننا وتقول أنه دائما ما يقال أنه يوجد ابن تعيس الحظ بين الأبناء وآخر سعيد الحظ ، لكنها دائما ما كانت تتساءل عن شخصية الابن التعيس ومن الواضح أنني عرفته اليوم، وفي حياتنا هذه كان يرافقنا صديق أبي الذي كان  يقضي أوقات طويلة في منزلنا يلعب معنا ويجلب لنا الهدايا ، خاصة أنه لم ينجب ،حتى أن أمي اعتبرته كأخ لها ، وكان أبي يقول أنه حفظ أمانة المال وهي أكبر أمانة فإنه بالتأكيد سيحفظ أمانة العائلة ،وكان يبدي اهتماما كبيراً بي وكثيراً ما كان يصحبني معه للخارج ، ويعدني بأنه سيعلمني قيادة السيارة حين اكبر وأشياء أخرى كثيرة ، كنت أحبه كثيرا بل كنت أعتبره بمثابة أب لي ، خاصة عندما أواجه مشكلة في المدرسة  إذ كنت أتصل به خوفاً من غضبة أبي ، حيث لم يكن يتأخر و يأتي لحلها دون أي تردد ، وعندما دخلت طور المراهقة كان صديقي الصدوق فكان دائما ما يعيرني سيارته بعد أن علمني قيادتها كما وعدني ذات يوم ، وكم من مرة سمح  لي فيها المبيت بمنزله أنا وأصدقائي خاصة في الليالي التى تقام فيها مباريات الكرة ، كان بالنسبة لي ملاكي الحارس فلا أطلب شيئا إلا وأجده عندي ، حتى لو كان صعب المنال فأذكر ذات مرة عندما كنت في الرابعة عشر قررنا أنا وأصدقائي القيام  بتجربة تدخين  "الماريجوانا " عجزنا عن تدبيرها بحكم صغر سننا ، سألته أن يساعدنا ولم يتردد عن ذلك وظهرت أمام أصدقائي بمظهر البطل الذي لا يصعب عليه شيء ,ليالي كثيرة كنت أقضيها في منزله حكى لي فيها عن كل شئ ، عن زواجه الفاشل وطلاقه ، عن حسرته لعدم إنجابه أولاد  ، وحكى لي أيضا عن مراهقته وفقره عن تسلط أبيه وجبروته وكيف كان سبباً  ، في عدم إكمال تعليمه،  كنت أشعر أنني صديقه الوحيد في الحياة كلها،  خاصة أنه لا أقارب له ولا أصدقاء فلم أرى قط أن زاره أحداً  أو عرفنا أن له قريب خلال كل السنوات التي عاشها بيننا  ، وحتى السنوات التي عرفه فيها أبي, كنت أعتبر نفسي محظوظا لأنه اختارني لرفقته، من بين إخوتي خاصة مع كل الحنان والاهتمام الذي منحني إياه ولم اعرف سر ذلك الاهتمام إلا ذات ليلة !!!

حينما طلب مني فيها أن أجلس على "حجره"  تعجبت فيها من الطلب لكن  الخجل منعني من الرفض وجلست وأمسك بي بكلتا يديه وراح يثبت مقعدي على عضوه  الذكري مطلقاً آهات أليمة نابعة من بركان خامد ، بينما أنا لم أكن  أصدق ما يجري حاولت أن أقوم ، لكنه عاد يمسكني بقوة ثم أحاط يديه بصدري بحيث يلتصق جسدنا ببعض وراح يقبلني بنهم ، ثم قام ودفع بي من حجره إلى الكنبة ، وبدأ يخلع ملابسه قطعة تلو الأخرى إلى أن أصبح عاريا ، وأمسك بعضوه وجاء ليرتمي فوقي ، وراح يداعبني ، هنا طلبت منه التوقف ، نظر لي بعمق وقال:

أرجوك هذه المرة فقط لن أخبر أحداً .

لا أدري كيف قبلت ذلك ربما بسبب العشرة الطويلة أو لعلي أشفقت عليه أو ربما خوفي من الفضيحة أو تأويل الحقيقة فماذا لو ذهب لأبي ليدعي أنني طلبت منه ممارسة الرذيلة معي ،بالتأكيد سوف يصدقه أبي بحكم عشرتهما الطويلة ، وهنا رأيت أنه من الأفضل أن أجاريه هذه المرة ، وبعدها لن يكون هناك مرة أخرى,وكأنما سمع صوت أفكاري فباشر يجردني من ثيابي بينما أنا مصعوق لا أدري ما أفعله ، بدأ يمسح بيديه على جسدي ويمسك مؤخرتي بقوة وهو يداعب رقبتي بلسانه ، وبعدها راح يداعب عضوي بيديه ولسانه وهو يحدثه بكلام كثير لم افهم منه إلا  بعض كلمات مثل:انتظرك كثيرا,أشتاق إليك وأنت ملكي  ، بعدها قام وأشبع شهوته في مؤخرتي وبذلك كان قد أهتك عرضي.

توقفت للحظة ورفعت عيني لأجد أن وجه المحقق يعلوه مزيج من الألم والقرف والاشمئزاز معا ، تلاقت عينينا هرب فيها ببصره بعيدا كأنما يخشى أن ألحظ تأثره,وقام من ذاته وجاء لي بقدح من القهوة وقال:

لماذا لا ترتاح قليلا بينما اطلب بعض الطعام فلابد انك جائع ؟.

هززت رأسي أن نعم وذهب هو ليفعل ما قال وما هي إلا دقائق حتى عاد مسرعا ,رشفت رشفة  من قدح القهوة وقلت :

بعد أن انتهى مني ظل غارقا في شهوته المريضة يثني نفسه على إشباعها،  قمت أنا ورحت أرتدى ثيابي ، بينما شعور بالعار والخجل يعتريني لم اعرف ماذا أفعل خرجت أهيم على وجهي في الشوارع ، والأسئلة تتزاحم في رأسي كيف حصل ذلك  ؟  وكيف تحول طلب الحجر إلى ما صار؟  وأي خيانة هذه التى يخون بها أبي وأمي ؟ وصداقة العمر ؟ والعشرة والمعرفة ؟ والأهم الثقة, تلك التي أوليته إياها لقد كنت أعتبره في مقام أبي ، جلست على أحد الأرصفة و رحت ابكي بحرقة وأنا أشعر ببراكين الغضب تتفجر داخلي ، لم اعرف ماذا أفعل أذن الفجر وكاد الصباح أن يطلع عدت للمنزل ونمت بثيابي ولم أغادر الفراش حتى اليوم التالي، وكلما جاء أحد من أفراد المنزل يسأل عني قلت له إنني أشعر بتوعك في المعدة وقضيت ثلاثة أيام على هذه الحالة ، لا أخرج من المنزل ولا أذهب للمدرسة,عافت نفسي الطعام  ، وحتى مستوى نظافتي الشخصية تدنى ، فلم أعد أحلق ذقني حتى الصلاة لم أعد قادراً على أدائها ، حيث أصبحت أرى نفسي شيطان رجيم مثله تماما ، لا أستحق أن أقف بين يدي الخالق عزوجل ,وفي الليل بينما أنا مستلق على فراشي سمعت صوته خارج حجرتي ، سرت في جسدي رعشة واعتراني خوف وطرأت في بالي ألف فكرة سوداء ، خرجت للصالة مسرعا  دون أن أعي أنه لا يسترني سوى  " شورت وفانيلة " من تلك التى أرتديها في المنزل إلا حين نظروا إليً جميعا باستغراب  ، خاصة أن هذا التصرف لم يعتادوه مني قبل اليوم ، رمقني  أبي بنظرة سريعة  وكأنه يحاول تلطيف الجو بقوله :

أحمد مريض منذ عدة أيام و....

قاطعه الذئب قائلا:

لقد كنت أتوقع ذلك إذ  نسي  سيارته عندي  و جئت   بها  إليه ، خاصة أنني لم أره منذ عدة أيام على غير العادة .

وجحدني بنظرة قاسية ثم قال متابعا:

بالرغم من أنه وعدني بحضوره ليستذكر عندي بعض الدروس هو وبعض أصدقائه.

ثم أردف:

أليس كذلك؟!

هززت راسي أن نعم بإ رتباك ولم أعلق ثم قال أبي:

لا تنسى يا بني أنك في المرحلة الثانوية وهي ليست سهلة أبداً.

عقّب أخي الأكبر على صحة كلامه ، وانخرط الجميع في حديث جماعي بينما شردت أفكاري في أشياء كثيرة ، وأنا أدعو الله أن تنتهي الجلسة على خير دون أن يعرف أحد بالقصة ، انتهى الحديث دون أن انتبه إلى أن وعيت على صوت أبي وهو يقول:

أحمد لقد تكبد عمك عناء الزيارة كما أنه لا يملك سيارة فهيا يا بني قم وارتدي ثيابك وأوصله إلى منزله.

جحظت عيناي وأنا أقول بصوت ضريع:

لا لا لا......فأنا أنا مريض ولا أستطيع القيادة ، دع السائق يوصله.

ظهرت على وجه أبي علامات عدم الرضا حينما قال بحدة :

أحمد عندما أصدر لك أمراً فلا تتردد بتنفيذه  ،  خصوصاً وأنت تعلم  أن السائق جديد ولا يستدل  الطريق جيدا.

شعرت بالدوار وتقلصت أمعائي وأنا أفكر بطريقة أخرى للرفض حينها قلت:

لكن علي الذهاب للمدرسة لا استطيع أن أسهر والوقت متأخر أصلا و.....

صرخ في وجهي غاضباً  :

لماذا تتهرب ؟! لقد كنت تصر على التواجد مع عمك طيلة الوقت.

هنا قلت بسرعة خوفا من كشف المستور:

أعطني ثوان وسأكون جاهزاً.

ارتديت ثيابي سريعا وعقلي يعمل كصاروخ دون أن ينتج شيئا ، خرجت من البيت وأنا أشعر بالقهر والذل ووجدت أبي وأخي يودعانه عند باب سيارتي ، جحدت أبي بنظرة لائمة ، وأنا أفتح باب السيارة ,جلست خلف المقود والذئب بجانبي ،  رحت أقود بسرعة حتى أتخلص منه بأكبر سرعة  ممكنة فجأة قطع صمته قائلا:

ألا ترى ضرورة  أن نتحدث؟

أجبته بسخرية:

عن ماذا ؟ عن اغتصابي؟!

رد بتملص:

لا بل عن أشياء أخرى.

قلت بعصبية:

ضع في حسبانك أنه لا يوجد ما نتحدث عنه.

ثم ضغطت على مخارج الحروف:

أو ما نفعله.

وعدت أضغط بسرعة على دواسة الوقود وصلنا للمنزل وانتظرت أن ينزل لكنه لم يفعل  نظرت إليه وقلت:

ماذا تنتظر؟

قال:

محفظتك.

قطبت حاجبي وقلت باستغراب:

ما بها؟

قال بلؤم :

لقد سقطت من ثوبك سهوا وأنت تخلعه.

نظرت إليه باشمئزاز وقلت:

وأين هي؟

قال وهو ينزل من السيارة دون أن يترك لي مجالا للرد:

في المنزل.

أغلقت السيارة ولحقت به وأنا أتوعده بالويل والثبور إذا حاول أن يعاود فعلته,دخلت للمنزل وتعمدت ترك الباب مواربا ، ووقفت مكاني مترقباً فعلته التالية ، لكنه كان هادئا يتحرك بسلاسة في مسرح الجريمة كأن  شيئا ربما يحدث ، بينما أصارع أنا الذكرى القاسية نظر إليّ بإ ستغراب وقال:

لماذا تقف مكانك؟!

ثم أردف قائلا:

اجلس إلى أن اجلبها من الدور العلوي.

جلست بتوتر بينما صعد هو للدور العلوي رحت أعد الدقائق إلى أن ظهر وسلمني المحفظة أخذتها منه بسرعة ودسيتها في جيبي وهميت بالرحيل لكنه أمسك بيدي قائلا:

انتظر,هناك ما أريد قوله.

نظرت له بحدة وتحفزت لكنه قام ووقف ونظر في عيني قائلا:

أنا آسف,لم يفترض أن يحصل ما حصل ولم أرد أن تصل الأمور لذلك الحد.

شعرت بالراحة تغمر قلبي على الأقل ليس ذنبي ، وها هو ذا يعتذر عن ما حصل لم أجد ما يمكنني قوله ، لكني هززت رأسي بمعنى أنني أتفهم ما حصل وكدت أهم بالرحيل لكنه قال:

دعنا نشرب شيئا على الأقل لأتأكد أنك سامحتني.

جلست ورحت أقلب بمحطات التلفاز بينما ذهب هو ليحضر شيئا من المطبخ عاد وهو يحمل كأسي بيرة وناولني واحداً منها ورحنا نتجاذب أطراف الحديث وفي تلك الأثناء شعرت بالخدر ، وبأن رأسي يسقط كنت في حالة من اللاوعي ومع ذلك أمكنني سماعه يتحدث في الهاتف يطمئن أبي بأني سأبيت عنده كنت قادرا على الشعور بكل شئ وسماع كل شئ ومع ذلك كنت مشلول العضلات غير قادر على الحركة , شعرت به وهو يجردني من ثيابي استعداد لفعل فاحشته ، وكان له ما أراد بعدها فقدت وعي ولم أستقيظ إلا في صباح اليوم التالي ,كان جسدي مازال يؤلمني من أثر المخدر ، رحت أرتدي ثيابي و تحاملت على نفسي لأخرج بحثت عن مفاتيح السيارة فلم أجدها ,شعرت بالدوار وبعدها أصابني القيء ، جلست قليلا لأسترد أنفاسي كان جسدي متهالكاً  لأبعد الحدود كما كنت أشعر أنني لازلت فاقداً لوعي ، ومرت الساعات حتى  جاءت الساعة الثامنة مساءاً حين جاء موعد عودته نظرت له بعينين منهكتين وبجسد مشلول جاء وجلس بجانبي ووضع يده على فخذي وسألني بوقاحة:

كيف حالك؟

رددت بلسان ثقيل:

أنت سا...ساف .ل..

وأردت أن أكمل لكني لم أستطع.

في هذه اللحظة  راح يمشي ذهابا وإيابا وهو يعقد يديه خلف ظهره توقف برهة  ثم قال:

اسمع يا بني,يعلم الله كم أحببتك فأنت تعني لي الكثير لكن ما حصل كان قدرنا ولن أتراجع عنه ،و أنت أيضا  لن تفعل ، ويجب أن تعلم أن الخطأ لم يكن صادراً مني وحدي وهذا ما سيقوله أبوك حين يعلم بشي كهذا ،  فضلاً  عن أنه لن يصدقك فهو يعرفني من ثلاثون سنة ، هذا بالإضافة إلى أن سنك هو الأدعى  للإنحراف ، كما أن تحليل بسيط لدمك سيظهر استخدامك للمخدرات كما وضعتها لك البارحة صدقني لن يصدقك أحد ، ومادام هذا الحال فأنا أفضل أن نبقى الأمر كما هو وأنا متأكد انك توافقني على ذلك .

انتهى من حديثه وأنا أنظر إليه  وسط شعور بالعجز  عن الكلام أو التعبير فكل كلمة قالها صحيحة لن يصدقني أحد  وستنالني سهام اللوم لوحدي  خاصة بعد تصرفاتي في الأيام السابقة ، وبسبب المخدر الذي دسه لي بالأمس ، كل ذلك زادني يقيناً أن الوضع يزداد سوءاً .

قطع عليّ شرودي بعودته للجلوس بجانبي آخذاً بالنظر إليّ  مليا ثم اخرج شيئا من كيس احضره معه وقال لي بقسوة:

لقد أحضرت الخمر وستشرب لتنسى.

نظرت إليه بشعور الفاقد للحيلة  ،وبضعف لا حدود له أطعت ما قال كأنني إنسان آلي لا إرادة له ، وعاد ليمارس الرذيلة معي في تلك الليلة بينما أنا غير واع بسبب إفراطي في الشراب وظليت على هذا الحال إلى صباح اليوم التالي ، حيث جاء مبكرا من الشركة وأيقظني بعنف بينما التوتر يغزو وجهه قائلا:

أبوك في غاية القلق عليك لابد  أن تذهب الآن.

قمت فزعاً  أنا الآخر ، اغتسلت سريعا  ، ركبت سيارتي ورحت أقود بسرعة إلى أن وصلت المنزل وأنا أحاول أن أبدو طبيعيا ، دلفت ووجدت أن أبي يجلس في الصالة بينما يبدو القلق باديا على محياه  أشرق وجهه حين رآني وقال:

أين كنت يابني لقد قلقت عليك كثيرا؟

تبادلنا الأحضان بقوة بينما سالت دمعة على خدي داريتها سريعا،  وعاد ينظر لي بحنان وهو يقول:

هل أنت بخير؟

لم أجب وإنما أشحت بوجهي فعاد يقول:

يا بني إذا كان هناك ما يجب أن تخبرني به فهذا هو الوقت,لقد تغيرت أحولك كثيراً فلم تعد تذهب إلى مدرستك ، كما أصبحت انطوائياً  بشدة هل هناك سراً  في حياتك وتكتمه عن أبيك ؟!

أجبته بحزن:

لا يا أبتي  لا تقلق كل شيء على ما يرام.

رمقني بنظرة شك  وقال:

أتمنى ذلك,أتمنى !!!

 

بعدها خرجت من المنزل ورحت أدور بالسيارة وأنا أفكر فيما حصل وكيف جرى ذلك ؟! وكيف وصلت الأمور لهذا الحد؟!  وكيف السبيل للخروج من المأزق دارت الأفكار في رأسي وأنا أدور، ولم أجد حلاً  يخرجني مما أنا فيه جسدياً ونفسياً ، وفي الأيام التي تلتها لم أعد أذهب للمدرسة ، حتى الصلاة تركتها ،  لأني كنت أشعر بالقذارة تغمرني ، ولم أستطع أن أقابل ربي بذلك الجسد كنت ألبي رغباته بدافع الخوف واستمر الحال على ذلك بينما حالي يتدهور يوما بعد يوم خاصة مع استهلاكي المتزايد  للكحول الذي لم أكن أعرفه من قبل ، مرت ستة أشهر على هذا الحال إلى أن جاء اليوم الذي وقفت فيه في وجهه نظرت له وقلت:

اسمع هذا سيكون آخر يوم تلمسني فيه.

نظر إلي بتهكم وقال:

حقا !!!!

ثم أردف قائلا بقسوة:

ليس أنت من تحدد بل أنا

هنا قلت له بغضب:

ما أقوله لك تحذير ولا تلمني على ما سأفعله.

أدرت ظهري له وخرجت قام هو ولحق بي وأمسك بذراعي قائلا:

سوف تندم على ذلك.

قلت بحدة:

لقد نالني نصيبي من الندم.

خرجت وأنا أشعر أنني تحررت من سجن كانت الأيام التالية أجمل أيام حياتي كنت أشعر كأنما ولدت من جديد  عدت للمدرسة وقدمت التماس لكي أعود لصفي الدراسي ، وعدت ألتقي بأصدقائي كما تحسنت تصرفاتي مع عائلتي ، لكني مع ذلك لم أستطع أن أصلي فمازلت أشعر بشيء من الذنب والقذارة ، مر أسبوع على هذا النحو وأنا في قمة سعادتي إلى أن جاء اليوم الذي عاد فيه أبي غضبان وجاء ليهجم علي وهو يصرخ قائلا:

يا فاجر يا زنديق يا حقير اخرج من بيتي يا فاحش القول والعمل اغرب عن وجهي لقد عرفت كل شيء.

لم أحتاج لكثير من الوقت كي  أفهم بينما اجتمع المنزل كله على صوت أبي وهو يصرخ ولم يفهم أحد ما يحصل ارتديت ثوبي وذهبت لمكتب أبي حيث كان يحتفظ برشاش اشتراه أيام حرب الخليج ، تفقدته أولاً لأكتشف أن مخزنه مليئاً بالرصاص ، ركبت السيارة متجهاً إلى منزله ،وصلت بعد أقل من 20 دقيقة لأجد أن  نور الصالة مضاءاً ، حملت الرشاش بيدي اليسرى وفوهته منكسة نحو الأرض،   وطرقت الباب ، فتح سريعاً وظهرت على وجهه ابتسامة شامتة سرعان ما تحولت للفزع والخوف حين رفعت السلاح في وجهه ، راح يتقهقر إلى الخلف مع إطلاقه لسيل من التوسلات ،لكني لم أمهله طويلاً  أو شعرت برغبة في التراجع ، وأفرغت في جسده 32 طلقة هي سعة مخزن الرشاش ولو كان هناك أكثر لأفرغتها أيضاً ، ومع كل طلقة أطلقتها كنت اشعر بأنني أتحرر من سلاسل دناءته التي كبلني بها انتهيت وكان هو مجرد جثة هامدة ، بينما كان يغمرني شعور عام بالفرح لأني خلصت نفسي والمجتمع من رجل كهذا ، اتصلت بعدها بالشرطة وكما ترى أنا هنا.

ظل المحقق صامتاً منذهلاً من هول المفاجأة  لكني عدت أقول:

لقد كان محقا في أمر واحد وهو أن أحدا لن يصدقني فالشرطة لم تصدق  وحتى أبي مازال يظن أن ما فعلته ناتج عن حقدي، لأنه قال عني ما قال دون أن يصدق أنها الحقيقة ، لكني أشعر بالراحة الآن ،كما شعرت بالطهارة تغمر روحي فأخيرا استطعت أخيراً أن أصلي ، سأكون سعيداً  بأني سأقابل وجه ربي قريبا فمن الواضح أنه سيحكم علي بالقصاص ،وأنا أدرك أن هذا  الواقع أفضل لي ، لأني لو برأت لن يقبلني المجتمع وسيعاملني كمجرم ليس لأنني قاتل ، ولكن لأن مجتمعنا لا يتقبل ضحية العنف الجنسي وغالبا ما تتغير الحقائق ليصبح كما يريد الناس وليست كما هي.

ظل المحقق على وجومه لم يجد ما يقول قمت أنا وخرجت ومديت يدي للجندي لكي يعدني الزنزانة قائلا له:

لقد انتهى التحقيق.