اُمْرَأَةٌ .. فَتًى .. وَبُنْدُقِيَّةْ
اُمْرَأَةٌ .. فَتًى .. وَبُنْدُقِيَّةْ
نجاة الزباير
شاعرة من المغرب
[email protected]
هذه قصة نابعة من الجرح العربي النازف، لامرأة عانقت الموت مع ابنها. فإلى المرأة العربية و إلى نساء غزة وأبنائها تنحني حروفي.
اُللَّيْلُ يُبَعْثِرُ أَوْرَاقَهُ
هَلْ كَانَ يَقْرَأُ لَهُمْ بُرْجَ اُلْحَيَاةْ
مُتَأَمِّلاً خَـطَّ اُلْمَمَاتْ ؟!!
1
كَانَ يَمْشِي بِلَا هُويَّةٍ يَتَأَمَّلُ بِحُزْنٍ خُطَاهُ
مُرْهَـقًا مِنْ صَوْتٍ يِئِنُّ فِي حَنَايَاهُ
اُلْتَفَّ حَوْلَ كَاحِلِـهِ اُلْحَرِيقْ
وَفَـاضَتْ عَيْنَاهُ
ـ "لَا تَتْرُكِينِي أُمِّي لِذِئَابِ اُلْأَرْضِ
فَأَنَا يُوسُفُ اُلْقَادِمُ مِنْ بِئْرِ اُلْوَهْمِ"
صَـدَّتْـهُ
اُنْتَفَضَ جَنَاحَـاهُ :
ـ "دَعِينِي أَتَدَثَّرُ بِمِلْحِ اُلْأَرْضِ
وَأَرْكُضُ كَمَا يُوحَنَّا
لِيَقْتَاتَ مِنِّيَ اُلْمَوْت."
2
كَانَا لَا يَسْمَعَانِ غَيْرَ صَوْتِ اُلرَّصَاصِ
لَمْلَمَتِ اُلْمَرْأَةُ شَعْرَهَا
مَسَحَتْ بِلُطْفٍ عَنْ ثَوْبِهَا
تَعَطَّرَتْ بِقِنِّينَةِ اُلْحَرْبِ
وَرَكَضَتْ نَحْوَ بِحَارِ اُلدَّمِ.
وَقَـفَـتْ
تَأَمَّلَتْ مَصِيرَهَا.
كَانَ اُلْقَمَرُ حِينَهَا يُضِيءُ
وَكَانَتْ خُطُوَاتُهُمَا تُزْهِرُ
ـ "إِلَى أَيْنَ يَمْضِيَانِ ؟"
وَشْوَشَتْ مَحَارَةُ اُلْغَضَبْ.
3
اُلطَّرِيقُ طَوِيلٌ يَعُبُّ مِنَ اُلْخَوْفِ حَصَاهُ
وَكَانَ اُلْبَرْدُ اُلشَّدِيدُ يُقَوِّسُ ظَهْرَهَا
دَفَعَتْ فَتَاهَا نَحْوَ حُضْنِهَا
وَغَنَّتْ مَوَاوِيلَ
تَفْهَمُ وَحْدَهَا جُرْحَهَا.
جَلَسَتْ فَوْقَ أَعْضَاءِ حُلْمِهَا
تَعُدُّ سُبْحَةَ عُمْرِهَا
يَـا لَلْهَوْلِ !
كَمْ مَضَى تَقُولُ فِي سِرِّهَا
ـ "هَلْ كَانَ عَلَيْهَا تَوْدِيعُ أَنْفَاسِهَا؟!"
قَالَ ظِلُّ اُلْأَرْضِ وَهوَ يَعْدُو مِنْ جَفْنِهَا.
4
كَانَا غَرِيبَيْنِ أَنْهَكَهُمَا اُلظَّمَأْ
دَنْدَنَ اُلْفَتَى بِلَحْنٍ حَزِينٍ
"أَنَا اُلْأَرْضُ
وَاُلْأَرْضُ أَنْتِ
خَدِيجَة ! لَا تُغْلِقِي اُلْبَابْ
لاَ تَدْخلِي فِي الْغِيَابْ
سَنَطْرُدُهُمْ مِنْ إِنَاءِ اُلزُّهُورِ وَحَبْلِ اُلْغَسِيلْ
سَنَطْرُدُهُمْ عَنْ حِجَارَةِ هَذَا اُلطَّرِيقِ اُلطَّوِيلْ
سَنَطْرُدُهُمْ مِنْ هَوَاءِ اُلْجَلِيلْ" *
5
كَانَ اُلْعَالَمُ يُصْغِي لِذَبْحِ اُلْبَرَاءَةِ
تَسَلَّلَا مِنْ عَيْنِ اُلْهُدْهُدِ
رَأَيَاهُ يَهْذِي بِوَطَنٍ زَائِفٍ
وَلِلظُّلْمِ يُـصَلِّي.
ـ "هَلْ وَصَلْنَا ؟ !!! "
مَرَقَ اُلْفَتَى مِنْ تَحْتِ إِبْطِهَا
ـ "عُـدْ"
قَالَتْ بِخُفُوتٍ لا يُسْمِعُ نَبْضَهَا.
6
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
يَا لَهَذَا اُلْجُنونِ اُلَّذِي خَاصَرَ مَوْتَهَا !!
*من " قصيدة الأرض" للشاعر الكبير محمود درويش