المتسلِّق
محمد علي
ذات مرةٍ رجعت ابنتي من مدرستها ، وقبل أن تضع حقيبتها المدرسية ، سألتني :
أيُّ الحيوانات أكثر قدرة على التسلُّق : القرد أم القط أم الثعبان أم ماذا ؟.
فأجبتها دون شعور منِّي :
جمعان الطبَّال !.
صرخت في وجهي مندهشة :
قلت لك : اسم حيوان متسلِّق . ألا تـفـ..تسمع ؟!.
حيوان متسلِّق ... متسلِّق ....حيوان !.
بغضب وحدَّة ، قالت ، وهي تفتش عن كشكول العلوم :
نعم ، أريد اسم حيوان لا إنسان !.
كدت أخسر الجولة مع ابنتي ، لكنِّي استدركت قائلاً :
جمعان الطبَّال هذا حيوان أيضاً .... حيوان ناطق !. هكذا يسمِّيه المناطقة !. هل أنتِ أفهم من علماء المنطق ؟. وهو أمهر متسلِّق رأته عيناي !.
شعرت أن ابنتي بدأتْ تشك في قدراتي العقلية لكنها سلَّمت لي جدلاً بأن جمعان الطبَّال هذا حيوان . وسألتني بخبث :
هل هو ماهرٌ بالتسلُّق ؟!.
قلت بحماس :
نعم ، جِدُّ ماهر !.
قالت وهي تبتسم :
أكثر منك !؟.
لا مجال للمقارنة .. أنا لا أستطيع المشي فضلاً عن التسلُّق !.
وأكثر من القرد ؟.
نعم ، أكثر من القرد نفسه وأمهر !.
تصوري أنه منذ بِضع سنوات كان موظفاً بسيطاً في إدارة الجمارك ، والآن هو المدير المساعد ، وعينُه على المدير العام !.
قالت باستغراب :
كيف تمكَّن من الوصول بهذه السرعة ؟.
ألم أقلْ لك . عنده قدرة خارقة على التسلُّق ؟!.
لعله يمتلك خبرة وكفاءة ليست لغيره ؟!.
كلا ... ليس الأمر كما تظنين ، فهناك عشرات الموظفين أكثر منه خبرةً وكفاءةً وقِدماً !. تجاوزهم بسرعة فائقة ، وقفز من فوقهم جميعاً!!.
إذن هو ذكيٌّ جدَّاً ، وأنت ربما تحسده على مواهبه .
لا أنكر أنه ذكيٌّ ، ولكنَّ الأذكياء في المؤسسة غيره كثر .
وما طريقته في التسلق ؟.
التسلُّق على أكتاف الآخرين !. الكذب ...التملق ... مسح الجوخ أو حتى مسح الحذاء !.
قاطعتني تستوضح :
مسح الجوخ ، ماذا تقصد ؟.
شعرت بالعجز عن توصيل المعنى إلى ذهن صغيرتي ، فتابعت :
والرشوة ... واتهام الآخرين والافتراء عليهم ...تدبير مكائد ومصايد لزملائه بل لرؤسائه ....
أنا جائعة جداً ، ولا أفهم كثيراً مما تقوله !.
كلُّ يومٍ هو في لونٍ ... لا يثبت على دينٍ أو طريقة ... يتلون كالحرباء ... مرةً ليبرالي ، وأخرى وجودي ، ثم يصير شيخاً ، ويرخي لحيته ، ويقصِّر ثوبه ، ثم فجأة ينقلب مئة وثمانين درجة ، ويصبح ماركسياً ... ثم لا يلبث أن يهتف بحياة الزعيم عبد القادر :
يعيش عبد القادر!
فما تغيب شمس ذلك اليوم حتى يلعنه :
يسقط عبد القادر!....
مرة نصير المرأة ، ومرة من أعدائها ، لا يسكن على حال ، يركب الموجة ، ويتبدل بتبدل رؤسائه في الوظيفة !.
باختصار يا بابا إذا سمحت ؟.
باختصار ، هو لا يتورع عن استخدام أية وسيلة للوصول!.وهو مستعدٌّ لأن يصنع أيَّ شيءٍ ، لتحصيل مآربه ، حتى قيل – على ذمة الراوي - : إنه كان يأتي بزو....!.
هنا قاطعتني ابنتي بتضجر ، قائلة :
هذا كفاية !.
انتفخْتُ ، وقلتُ لها بزهو المنتصر :
هل اقتنعت بجوابي ؟.
هزَّت رأسها ، أي موافقة ، وانكبَّت على الكشكول ، لتكتبَ الجواب :
( أكثر الحيوانات قدرة على التسلُّق هو القرد !!. ) .
وتركتني ، وهرولت إلى المائدة !.