ينفذ الحكم فوراً
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
يخيم صمت مطلق في قاعة المحكمة العليا في دمشق , القاعة كبيرة جداً ولا توجد مقاعد فارغة , والممرات يقف فيها جمهور متزاحم من مختلف أطياف المجتمع , الجميع منتظر لحظة النطق بالحكم ودخول القضاة قاعة المحكمة بعد الإنتهاء من التداول للنطق بالحكم على المتهمين
لقد تغير لون القاعة من الداخل ولم توضع على جدرانها صور أو تماثيل أو شعارات , والشعار الوحيد فيها هو صورة رمزية لميزان العدل , لأول مرة في تاريخ الدولة السورية يمكن أن تنظر لهذا الميزان من جميع زوايا النظر المختلفة في قاعة المحكمة , فلن تجد اختلال في كفتي الميزان , وعندما جلس القاضي في مكان منخفض من الشعار ولو نظرت إليه من الزوايا المتعددة في المحكمة لشاهدت تطابق كامل بين القاضي والميزان
القضية اليوم كانت دعوة قضائية مقدمة من مواطن سوري قتل ابنه المدعو (زياد طارق عبدالله) تحت التعذيب متهما فيها بشار الأسد والذي كان بصفته رئيساً للجمهورية العربية السورية
قبلت الدعوة من قبل المحكمة وحضر المتهم
وحضر محامي الدفاع وكذلك محامي الإدعاء
تم عرض الفيلم الخاص بالشهيد طارق بن زياد , آثار التعذيب واضحة , طعنات بالحراب وحروق بالسجائر ودعس بالأحذية العسكرية وتثقيب للجسم وسلخ الجلد في أماكن متفرقة ومحاولة قلع الأظافر ونتف شعر الرأس بأماكن متعددة واستخدام الكهرباء في المناطق الحساسة من الجسم , وتذريف مناطق غير مميتة بطلقات من سلاح ناري
القاضي يسأل بشار الأسد بعد عرض الفيلم لجثة طارق متهكماً
لماذا لم تستخدم المثقاب الكهربائي حتى يكتمل المشهد لديك في أنك لم تدع طريقة للتعذيب إلا واستخدمتها ضد هذا الرجل البريء ؟
بشار الأسد يجيب : حتى لايقولوا أننا نقلد عصابات الموت الإيرانية في العراق فلقد استخدموا هذه الطريقة , وحتى لايكون هناك دليل على وجود هذه العصابات في سورية والتي كنا نستخدمها ضد المتظاهرين المسالمين
القاضي : وهل كان عندك علم بطرق ووسائل التعذيب والتي كانت تنفذ في دهاليز وأقبية المخابرات ؟
بشار : طبعا ياسيدي القاضي , فأنا الحاكم الأوحد وكل شيء لايمكن أن يحصل مالم يمر من تحت يدي وبأمري شخصياً
القاضي : أنا أعرف أنه عندما يلتقيان عدوان في معركة فكل طرف يسعى للنيل من خصمه إما قتلاً أو سيطرة فإن سيطر عليه واستطاع التغلب عليه , عندها لن يكون في حاجة لقتله أو تعذيبه , بينما هذا الشخص هو بين يديك مكبلاً بالسلاسل ولا يوجد منه خطر عليك , وبما أنك تخشى وجوده على قيد الحياة إن أفلت وانطلق من سجنه
فهل تقول للمحكمة لماذا لم تكتف بقتله فقط وبدون تعذيب ؟
سيدي القاضي :
عندما توفي أبي واستلمت الحكم مكانه مع أن الدستور والذي وضعه والدي لايسمح لي في أن أكون رئيساً للدولة , ومع ذلك صرت الحاكم المطلق للوطن وللشعب , وجمعت حولي أخي وصهري وأولاد خالي وأقربائي , ولم يعترض على ذلك شخص واحد من الشعب السوري , ولم نترك وسيلة إذلال ولا طريقة لنهب الأموال والعقارات , والتعذيب والتغييب في المعتقلات وتهجير الناس ونزع الثقة بين الأخ وأخيه والأب وابنه , وحالات اغتصاب فردي أو جماعي , وفوق كل هذا فالشعب كان يعتبرني رباً وكل عمل أقوم فيه هو هبة من الرب , وإن كان جريمة في حقه يعتبرونه هدية وامتحاناً وهم صابرون ويضحكون ويهتفون
وعندما وجدنا بعض الأطفال يخرجون عن هذا النطاق وأخذوا ينادون في الحرية , وتبعهم شباب ورجال في ذلك , فهل يعقل أن يقوم شخص مثل حمزة الخطيب أو ثامر الحرير , أو طل الملوحي , وهذا الأخير طارق زياد ويهتفوا ضد الرب ؟
كنت أجتمع أنا وعائلتي وأقربائي السابقي الذكر ونأتي بمعتقل من هؤلاء , وكم كنت أفضل وجود علي مملوك بيننا فهو خبير في التعذيب , وآصف شوكت والذي صنفه الأمريكيون رابع شخصية استخباراتية في العالم بقسوته ضد شعبه , ومع الموسيقى الهادئة والخمر المعتق والنساء الجميلات أو من المقربين للمعتقل والذي سنسهر أجمل سهرة على صوته وهو يستغيث ويدعو ويقبل حتى نخفف عنه , ولكن كلما استجار كلما زدنا طرباً , والمشروب لايحلو بدون دم هؤلاء والهيروين والمورفين والكوكائين كل عنصر له طعم خاص عندنا في حال وصولنا لقمة السعادة في الجزيئ الخاص من قبل جسم المتمرد هذا أوالمندس
القاضي : بعد أن منحنا الله الحرية في الحكم وأن لانجانب العدل ولا يجانبنا العدل , ولا يوجد سلطة بعد الآن خارج هذا النطاق , فسلطة القضاء مستقلة وهي القول الفصل في كل الأمور المختلف فيها , فحق الصغير قبل حق الكبير , وحق الفقير يؤخذ من الغني عنوة , وبما أنني مسلم عندي قاعدة أبني عليها حكمي قاعدة نصها لنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يمينها) , والعدل أساس الملك فالعدل هنا المعاملة بالمثل
لذلك قررت المحكمة وبتاريخه تلسليمك لذوي القتيل زياد طارق عبدالله , وأن ينفذوا فيك العدل المطلق لكي يقتلوك بنفس الطريقة التي قتلت فيها ابنهم كما اعترفت فيها من لسانك وبدون ضغط أو إكراه
ويختم القاضي كلامه متوجهاً فيه للجمهور الموجود في قاعة المحكمة , رجاء لكل من يسمعني وعنده مظلمة فليرفعها لي شخصياً , وأشهد الله لن أحكم إلا بالعدل , والجزاء من جنس العمل , ولا يوجد مناص لكل مجرم في أن يدعي بأنه كان مأموراً بذلك , سواءٌ أكان رئيساً أو مرؤساً أو جلاداً
ينفذ الحكم فوراً انتهت الجلسة