شكرا أيها الجندي

أفنان شمس الدين ريحاوي

ـ لا تقتلني

قالتها بنبرة شديدة التوسل والضعف، ودموعها تنهمر من عينيها الصغيرتين علها تزرع رحمة في قلب ذاك الجندي، أجهشت بكاءا زلزل الأرض وأبكى الحجر، ذبذب قلوب المستلقين من الجرحى وزاد قلب الجندي قسوةً، فرفع بندقيته نحوها.....صرخت بأعلى صوتها:

 ـ أرجوك .....لا تفعل.

ارتسمت على شفتيه ضحكة ساخرة....قال بسخرية وهو يضع إصبعه على زناد البندقية :

 ـ ولما لا أفعل..؟؟!!

 ـ لأنني لم أفعل شيئا لتقتلني .

لكنه الآن ضحك من أعماقه حتى دبّ الألم في خاصرته، قال :

 ـ ومن قال لك أنني أنتظر منك فعلا لأقتلك ..؟؟!! أنا أقتل متى أشاء .

أخذت الطفلة ترجف مذعورة من شكل بندقيته المخيفة، لكن ذاك الجندي أنقذها من الرجف والرعب....الخوف والهستيرية....أنقذها بقسوة حجرية حقنت فيه لتمكّنه الالتحاق بالجيش السوري، أنقذها بكل رجولته الآذنة له بإيذاء طفلة، أنقذها رغم الدم السوري الجاري في عروقه والذي يفترض أن يغرس فيه بذور النخوة والشهامة والغيرة فهي طفلة من وطن واحد ومدينة واحدة وحارة واحدة وبناء واحد، أنقذها من رؤية أبيها دون رأس وأخيها دون أطراف، أنقذها من يتم وفقر كانت ستعانيه بقية عمرها، أنقذها من الحرمان للألعاب والحدائق والأراجيح، أنقذها من جهل سيخيّم عليها وعلى أطفال وطنها فلا مدرسة ولا معلمين، أنقذها من جوع وعطش أمات أصدقائها وأبناء جيرانها، أنقذها من حريق اندلع في بيتها وأحرق أمها وأختها، أنقذها من تشرد وضياع لفقدان المأوى، أنقذها من اندثار الأمن و الاستقرار في وطنها، أنقذها من أصوات الرصاص والانفجارات المخيفة، أنقذها من رؤية الدبابات الضخمة المرعبة، أنقذها من الغرق في الدماء الجاري بين الشوارع، أنقذها من صور ملايين القتلى الممثلة جثثهم، أنقذها من سماء تسبح في الدخان تتساقط منها القنابل لتدمر كل شيء يصادفها، أنقذها من ليل أشبه بالنهار لإنارته بالأشعة الخادعة الملتهبة الحمراء، أنقذها من التعثر بالحجارة والأشلاء التي تعم المكان، أنقذها من استنشاق الروائح الكريهة للجثث، أنقذها من الدمار والحطام.......النار والجحيم......اللهيب والصراخ.....أنقذها من احتراق الدموع وتبعثر الآمال وظلام الأحلام، والأهم .......أنقذها من حياة ذليلة ساجدة لأوامر السلطة كانت ستعيشها .

أجل لقد قتلها برصاصات وحشية أطلقها ببندقيته عليها....قتلها بكل برودة أعصابه دون أي أمر أو شرعية.......قتلها ولم يعلم أنه أنقذها......أجل أنقذها من غصب الحرية التي يعانيها أبناء الوطن .

 شكرا أيها الجندي العربي السوري...... فالموت عندنا أشرف من حياة الذل، وجنة رب السماوات والأرض أجمل من جنتنا التي عشنا فيها طيلة مئات السنوات الماضية نحلم بالحرية لكوننا أحرارا خلقنا ........

شكرا لك أيها الجندي فأنتم ماضون ونحن على عهد الحرية باقون .

(انتهت)