عندما تركت قلبي
مريم سيد علي مبارك/الجزائر
[email protected]
لا أخفيكم بأني امرأة تهوى
السفر، تحب التجوال عبر العالم، صحفية تحب المغامرات ولأني أحب المغامرات والترحال
فقد تجاوزت حدود وطني وأخذني ولعي وجنوني بالسفر، إلى المكسيك ونزلت
بأحد فنادق مكسيكو سيتي «Mexico
city» عاصمة
المكسيك، المدينة التي لا تنام والمكان الذي يزخر بكنز من كنوز التاريخ! مشيت في
أسواق المدينة وشوارعها.. فيها بيوت ذات طابع معماري اسباني قديم ومبان حديثة
وناطحات سحاب.. كما أن فيها أحياء فقيرة وبيوت تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة..
لكني سرعان ما هربت من صخب
المدينة، ونزلت في فندق آخر قرب أحد المنتجعات الهادئة وتحديدا بـ بويرتو فلارتا «Puerto
vallarta»، وأدركت ثمة لماذا اختار »جون
كيندي« قضاء شهر العسل في المكسيك، فشواطئها ساحرة ،
مبهرة، رائعة حين
تراها تسرح إلى أبعد نقطة في الخيال!
ومن بويرتو فلارتا «Puerto
vallarta»،
انتقلت إلى خليج أكابولكو «Acapulco»،
ونزلت في فندق أكابولكو برانساس …«Acapulco
princess» وعلى
بعد بضعة أميال، زرت قرية بويرتو مارتز «Cuerto
martez»،
حيث وجدت صديقتي المكسيكية مارلين بانتظاري رحّبت بي وقامت بدعوتي إلى ركوب الخيل
كما جرت العادة في تلك القرية، ورغم أنه مضى زمن طويل على ركوبي الخيل إلا أن شعورك
عندما تركب الخيل وأنت كبير يختلف تماما عن ركوبه وأنت صغير إذ يشعرك بأنك فارس
باسل ويعود بك إلى أزمنة الخيل والليل والبيداء..حيث تسترجع صدى صهيل الخيول
العربية... ذلك الصهيل الذي يروي بطولات وحقائق أجمل من الخيال !
لقد اكتشفت أن للمكسيك
أهرامات تدعى أهرامات »الشمس
والقمر العملاقة«، والوصول إلى قمتها يحتاج وقتا طويلا …وذكّرتني
تلك الأهرامات بأهرامات مصر التي كنت قد زرتها قبلا..لكن شتان بينها وبين أهرامات
مصر العريقة التي تعد من أقدم عجائب الدنيا السبع، تلك الأهرامات التي ألهمت الكتاب
والأدباء والسينمائيين العرب وغير العرب فألفوا فيها القصص الخالدة على مرّ
التاريخ.. !
وبعد المكسيك زرت الأردن
لأن لي فيها أصدقاء كالأخوة التقيت بهم في العقبة، هاته المدينة التي أغرقني
سكانها بالجود والكرم، كرم صديقتي الأردنية عبير التي أصرّت أن تأخذني إلى مطعم
"علي بابا" الذي يقع في أعلى ساحة الأميرة "هيا".. تجولت في العقبة ومشيت على ضفاف
شواطئها الساحرة ! وبعد
العقبة اتجهت جنوبا لزيارة المدينة الوردية الفاتنة "البتراء" التي
لا مثيل لها في العالم..مدينة
كاملة منحوتة في الصخر الوردي اللون..مدينة تشبه قلعة الأحلام.. !
كما زرت سوريا ولبنان
وفلسطين، ولي مع بلاد الشام حكايات أجمل من حكايات »ابن الروميّة…«
ولأنني أحب الحيوانات
فقد زرت مدينة جنوب إفريقيا موطن المخلوقات العجيبة، فحدائق جنوب إفريقيا تزخر
بحيوانات كثيرة، حيوانات لم أكتشفها في أية دولة إفريقية كالكركدن، الأسد، النمر،
فرس النهر، الفيل، الجاموس! …
لقد شاهدت في إفريقيا
الجنوبية أشياء مثيرة، قردة تسرق ألبسة… نساء يقمن
بالخياطة على الطريق العام وفوق الأرصفة غير مباليات …تلال
اسمها» الشيطان «ومنتجعات
اسمها» استراحة
الحجيج…«!
من جنوب إفريقيا، اجتاحتني
رغبة جامحة في الطـيران إلى سماء سويسرا حيث
حققّت حلمي الهوائي بركوب المناطيد ومعانقة جبال »الألب« السويسرية
الشامخة، وبقرية «châteaux
days» قضيت
أروع الأوقات وأنا أحلّق في السماء دون جناحين… فقط
بمناطيد ذات أشكال جميلة وألوان زاهية !
ومن سويسرا إلى أمريكا،
حيث طرت على مناطيد الكولورادو «Colorado»..
سافرت وتجولت ورحلت
وارتحلت إلى أبعد مكان في العالم وما تعبت..
زرت اليمن وزرت قطر
والعراق وتركيا وقبرص وروسيا وو...وما تعبت ..
وبعد رحلة طويلة عزمت على
العودة إلى الوردة البيضاء إلى بلادي الحبيبة الجزائر..
وبينما أنا في الطائرة… غفوت…
وإذا بي أستيقظ على صوت
المضيفة وهي تعلن وصولنا إلى الجزائر… نزلت لكني وجدت
نفسي على أرض أخرى.. أرض تكثر بها الجبال وتحيط بها التلال من كل جانب..!
عدت إلى الطائرة فلم أجد
أحدا … أين
ذهبوا؟، أين هم وأين أنا ؟؟
وفجأة خرج طفل جميل من
وراء الجبل فسألني قائلا :
»هل زرت أهرامات مصر الذهبية ؟؟ هل رقصت
على وقع النّغمات المكسيكية ؟ هل سبحت في شواطئ الأردن السّبية ؟ هل أكلت من لحوم
الحيوانات الإفريقية ؟ هل حلّقت بالمناطيد الهوائيّـة ؟ هل علوت جبال الألب
السويسرية ؟ هل تنزهت ؟ هل استمتعت ؟ هل أنفقت كلّ ثروتك.؟؟ «
أحسست بالحيرة تعقد حبالي
الصوتية ولم أقدر على الكلام… وعندما شعرت بأن صوتي بدأ ينفك قلت له متلعثمة :
- من أنت وأين أنا
؟؟
ابتسم ثم قال :
- أنت في مكان
يتباهى بكنوز ليست قط من هذا العالم !
قال ذلك واختفى..فتضاعفت
دهشتي..
مكان يتباهى بكنوز ليست قط
من هذا العالم؟! أين أنا ؟؟
ما شككت في صحة عقلي أبدا
قبل ذلك اليوم..وقرصت نفسي قرصة شديدة علني أستفيق من حلم أكيدأكيدأاأأأ..ولكني ما
قمت إلا بتوريم خدي!
مكان يتباهى بكنوز ليست قط
من هذا العالم ؟!! أين أنا ؟؟
فجأة ظهر ذات الطفل مرة
أخرى لينتشلني من دثار الحيرة قائلا :
أنت..في مكة..
وما إن لفظ كلمة مكة حتى
انهمرت الدموع شلالا على مقلتي وردد صوت الشوق في جوفي لبّيك اللّهم لبّيك..
قلبي قائم بين يديك، ناظر
بعين الخجل إليك..
أدركت أنني في مكة..
ومن غيرُ مكة فيها روضة من
رياض الجنة؟، من غير مكة فيها الحجر الأسود؟، من غير مكة فيها الكعبة بيت الله
الحرام؟ من سوى مكة ؟
تجلى أمام ناظري بيت الله
الحرام، تتسارع الخطى كما تتسارع النبضات..تلوح الكعبة من بعيد، فيخفق القلب وتتّسع
الرؤية ويبدو الكون أرحب، أرحب أصل إلى الكعبة أقف أمامها وأتذكر ما قاله النبي صلى
الله عليه وسلم لعُمر : "ابك يا عمر ها هنا تسكب العبرات"..
أدخل المسجد النبوي الشريف
فأتخيل النبي وهو يعظنا ويرشدنا ويوصينا فتنسكب الدموع حارّة على وجنتي وأمر على
باب جبريل فأتذكر كيف تنكر عليه السلام في صورة إنسان مسندا ركبتيه إلى ركبتي رسول
الله، واضعا كفّيه على فخذيه وهو يقول : "يا محمد أخبرني عن الإسلام"
تذكرت وأنا في مكة كم عانى
النبي صلى الله عليه وسلم من ظلم المشركين وتذكرت حين تدفق الدم من وجهه الكريم وهو
يقول : "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"
تذكّرت حبه لمكة وألمه
الشديد لفراقها حين قال :
"أمَا والله لأخرج
منك، وأني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىَّ، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجونى
منكِ مَا خرجت"
وحين خرج من الغار التفت
إلى مكة قبل أن يغادرها..
يــاه..ما أجملها من مشاعر
يحملها قلب النبي ما أحنّها من لفتة وما أرقها من نظرة إلى مكة..
أوقات عشتها في أحضان مكة
وأنا أتذكر المكان الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وقضى فيه طفولته وشبابه
وكهولته..
أوقات عشتها أتذكّر الحزن
والسعادة معاً...
ما أسعدنا به صلى الله
عليه وسلم يؤلف بين نفوسنا..
ما أسعدنا به يوحدنا، يجمع
بيننا..
التقيت في مكة أصدقائي من
المكسيك وسويسرا وأفريقيا ومصر والأردن..اختلفت ألسنتنا ووحدتنا كلمة "لا إله إلا
الله محمد رسول الله"
زرت الأماكن كلها...زرت
أماكن كثيرة وما تركت قلبي في غير مكة..
ودّعت مكة إلى لقاء، وبعد
كلّ فراق أعود وقلبي معلّق بالحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم)